توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وإذا حكم الشعب

  مصر اليوم -

وإذا حكم الشعب

بقلم : عمرو الشوبكي

معادلة السلطة والشعب فى المجتمعات النامية معادلة صعبة، عادة ما تحكمها متضادات، أحدها يرفع شعار النضال من أجل حكم الشعب، والثانى يقول ضمنا أو صراحة إن الشعب جاهل غير قادر على الحكم.

ومع ذلك لم يستطع حاكم أن يتجاهل الشعب فى مصر، فجمال عبدالناصر، الذى لم يحكم بالديمقراطية، اعتبر الشعب هو القائد والمعلم وخاطب وجدانه ودافع عن حقوق الفقراء والمستضعفين، وحتى الرئيس السادات، الذى كانت سياساته محل خلاف مصرى وعربى، لم يتجاهل الشعب، ويتذكر الكثيرون كيف أصر- حين عاد إلى مصر، عقب توقيعه على اتفاقية كامب ديفيد- على أن يسير فى عربة مكشوفة فى شوارع القاهرة، حتى يثبت للعالم أن الشعب معه ويؤيد خطواته.

وظل زعماء مصر السابقون (ناصر والسادات ومبارك) يعتبرون أنفسهم يحكمون باسم الشعب، حتى لو كان هذا الشعب لا يحكم عمليا من خلال الأدوات السياسية والديمقراطية المعروفة، فلا أحزاب ولا تداول للسلطة ولا مؤسسات تستطيع أن تعارض الرئيس.

وجاء عصر إقصاء الشعب فى نهاية حكم مبارك، بعد أن تحول مشروع التوريث إلى خطة عملية تجرى فى جنح الظلام، واعتبرت شلة التوريث نفسها وصية على الشعب ولم تحسب حسابه، وزوّرت انتخابات 2010 بلا حياء ولا حدود، لأن هناك مَن قرر أن يختار نواب الشعب بدلا عن الشعب، وقال مبارك جملته الشهيرة للمعارضين: «خليهم يتسلوا».

جُرح الشعب المصرى فى كرامته حين تم إقصاؤه من أى حساب، ولذا لم تكن ثورة يناير- التى أسقطت مبارك ومشروع التوريث- مجرد حراك شعبى وانتفاضة للناس فى الشوارع، إنما كانت رد اعتبار للشعب، الذى لم يقبل قطاع واسع (حى ونبيل) أن يظل مُهانا ومُهمَّشا وخارج كل حسابات السلطة.

عاد الشعب بعد «يناير» رقما فى حسابات الجميع، وانتقل من حالة الشعب الخام- الذى ثار جزء منه على النظام الحاكم- إلى مجتمع، أى التجسيد الاجتماعى والسياسى للشعب، كما يقول علماء الاجتماع، ثم إلى نخب وأحزاب وتيارات سياسية تعود أصولها إلى واقع هذا المجتمع.

والمؤكد أن هناك رأيين أديا إلى نفس النتيجة: الأول أن مَن فشل عقب ثورة يناير هو الشعب، أو بالأحرى المجتمع فى تنظيم نفسه وفى وضع القواعد الحديثة لبناء دولة القانون، سواء كان هذا الفشل بسبب خطاب المراهقة الثورية أو أجندة الإخوان السرية أو ضعف النخب والأحزاب المدنية، والثانى أرجع الفشل إلى السلطة، ممثلة فى أداء المجلس العسكرى، والحقيقة أن كليهما نتاج المجتمع، وجاءا من تربة هذا الشعب، وأن مَن يتصور أن فشل السلطة منفصل تماما عن فشل المجتمع مخطئ، فهو يعكس فى جانب منه أزمة المجتمع، أى ضعف قدرته على تنظيم نفسه فى نقابات وجمعيات أهلية وأحزاب، بجانب انهيار التعليم وارتفاع نسبة الأمية (الثلث) والفقر وشيوع الفساد.

وإن جوهر رسالة يناير فى حكم الشعب بنفسه واختيار ممثليه فى انتخابات تشريعية ورئاسية اعتبرها قطاع واسع من الشعب مع مؤسسات الدولة العميقة، إنه «بئس الاختيار»، وإن حصيلة حكم الشعب عقب ثورة يناير كانت كارثة على الوطن والدولة، فكان لابد من العودة عن حكم الشعب، فشتم جزء من الشعب فكرة حكم الشعب بنفسه من خلال شتم ثورة يناير، وشيوع نظريات المؤامرة والحشو الإعلامى المعادى لأى عقل وتقدم.

ما جرى فى «يناير»، ثم فى «يونيو»هو معادلتان عكستا أزمة المجتمع المصرى، فالأولى كانت محاولة غير منظمة لحكم الشعب بنفسه بدون أى قواعد أو ضوابط تحدد مساره السياسى، والثانية كانت فى جوهرها رد فعل على الفشل الأول فى حكم الشعب بنفسه.

والحقيقة أن خبرة فشل المجتمع فى تنظيم نفسه تعطى دائما مادة حية ومبررا عمليا لأى سلطة لكى تقول إن الشعب غير مهيأ لحكم نفسه بنفسه، أى للديمقراطية، فالانقسام بين القوى السياسية وعجزها الكامل عن التوافق على أى مشروع سياسى دفع أحد أبرز رموز المعارضة الحالية، وهو السفير معصوم مرزوق، إلى أن يتحدث، فى مقال «الإخوة الأعداء»، عن طريقة تعامل شباب الثورة والقوى السياسية مع مبادرته لتوحيد صفوف المعارضة، وكيف أن هناك مَن شتمها، لأنها لم تضمن عودة مرسى للحكم، وهناك مَن رفضها لأنها لم تشتم الجيش، وهناك مَن اتهمها بأنها تفتح الباب لعودة الإخوان، والسؤال- وبعيدا عن حديث السيد السفير- عن اختراق الدولة العميقة لهذه النخب السياسية، لأن الصحيح هو فى أزمة هذه النخب بعيدا عن موقف النظام من هذه المبادرة.

والسؤال أو الحصيلة: هل يمكن أن يثق أغلب الناس فى قوى سياسية تدير خلافاتها بهذه الطريقة وهى خارج السلطة؟ وألا يمثل هذا الواقع- (بعيدا عمن المسؤول)- مبررا أساسيا لأى نظام حاكم لكى يقول ومعه جزء من الشعب إن هؤلاء غير مهيئين للحكم، وأن الأفضل أن تحكم أجهزة الدولة نيابة عن الجميع؟

ما لم نرَ أن هناك فشلا مجتمعيا وسياسيا، خلق تيارا شعبيا، مازال يرى أن الديمقراطية لا تصلح معنا لأسباب ثقافية واجتماعية وسياسية، فلن نتقدم للأمام، صحيح أن الحكم ذهب بهذه الفكرة بعيدا، وعطّل دولة القانون من الأساس، وأقصى الشعب من الحسابات، ولم يرحب بالمؤيدين، واستبعد المعارضين، وهو مشهد لم نرَه فى مصر طوال عهودنا الجمهورية السابقة، التى غابت عنها الديمقراطية، إنما حضر الشعب وحضر المدنيون الأكفاء فى صناعة القرار وإدارة الدولة، ولمعت أسماء مثل صوفى أبوطالب ورفعت المحجوب وفتحى سرور فى مقابل ما نراه الآن.

لم يُقْصَ الشعب إلا فى ظل مشروع التوريث المُجهَض بإرادة الشعب، ومشروع الجماعة والعشيرة المُجهَض أساسا بإرادة الشعب، والعودة الحالية إلى فكرة إقصاء الشعب والمجتمع من أى دور وحكم الأجهزة الأمنية بدلا منه- تحت حجة أنه فشل عقب «يناير»- لن تستطيع الاستمرار.

يقينا، معادلة مصر القادمة هى فى جسر بين حكم الشعب بنفسه على طريقة «يناير» وبين إقصاء الشعب على الطريقة الحالية، فالبداية هى ببناء دولة قانون ووقف المظالم وحكم عادل وشفاف كخطوة على طريق للديمقراطية وحكم الشعب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وإذا حكم الشعب وإذا حكم الشعب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon