بقلم : عمرو الشوبكي
تلقيت رسائل عديدة حول الانتخابات الأمريكية، إحدى هذه الرسائل من الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم بسيونى، وجدت فى ترامب ميزة، وجاء فيها: مهما قيل عن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وتصرفاته الغريبة، والخارجة عن الأعراف والتقاليد، فيمكن اعتبار فوزه بفترة رئاسية أمريكية عام 2016 كان نعمة على البعض، فقد كان الرجل صادقًا فى محاربته للإسلام السياسى، وبالأخص لتنظيم الإخوان المسلمين الذى فرَّخ جميع التنظيمات الإرهابية الإسلامية السنية مثل القاعدة، وداعش، وطالبان، وشكر طيبة الباكستانية، وجبهة النصرة السورية، وبوكو حرام النيجيرية، ومحاكم الشباب الصومالية، وغيرها كثير. لقد كان أوباما على علاقة ودية مع الإخوان المسلمين بذريعة أنهم يمثلون الإسلام المعتدل، ويمكن توظيفهم لضرب الإسلام المتشدد، وهذا الاعتقاد أثبت فشله. لذلك وقفت إدارة الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته آنذاك مع فوز الإخوان المسلمين فى مصر أثناء انتفاضات الربيع العربى عام 2011. كما وقفت إدارة أوباما ضد الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أنقذ مصر من أبشع حكومة فاشية دينية فى العالم الإسلامى. لذلك ففوز ترامب عام 2016 على الأقل كان فى صالح القوى المناهضة للتطرف الإسلامى فى العالم. لقد راح البعض طوال حكم ترامب يمنون النفس بأن أمريكا فى طريقها إلى الانهيار، ويستشهدون بمقالات من بعض المفكرين الأمريكان، ومن غيرهم، مفادها أنه بما أن جميع الإمبراطوريات فى التاريخ قد انهارت فإن «الإمبراطورية الأمريكية» لابد أن تنهار. فى الحقيقة هذه المقالات لا تتعدى كونها مجرد تمنيات تعبر عن رغبة كتابها ومن يشاركهم فى نمط التفكير، ولا نصيب لها من التحقق. فأمريكا ليست إمبراطورية، بل اتحاد ديمقراطى لخمسين ولاية، يتمتع كل منها بحكم ذاتى وفق دستور ديمقراطى. وهذه الدولة تضم شعبًا معظمه من المهاجرين من جميع العناصر البشرية فى العالم. فهذا الشعب الذى كان قبل ستين عامًا يمنع السود من الترشح والتصويت، انتخب أمريكيًا أسود مثل أوباما، وكذلك اليوم السيناتور كمالا هاريس فازت كأول امرأة، وأول ملونة من أم هندية، وأب من أصول إفريقية، كنائبة للرئيس. ليس هذا فحسب، إذ هناك توقعات أن الرئيس المنتخب جو بايدن، البالغ من العمر 78 عامًا، لن يترشح للرئاسة القادمة عام 2024، لأنه سيكون حينئذ عمره 82 سنة. وبذلك سيفتح الباب لنائبته كمالا هاريس للترشح لرئاسة أمريكا فى الانتخابات الرئاسية القادمة، وربما ستفوز. والدرس الآخر الذى يمكن استخلاصه من هذه الانتخابات هو، وكما قال ونستون تشرتشل: (إن الحكومة الديمقراطية ليست مثالية، ولكن إلى حد الآن لا توجد حكومة أفضل من الحكومة الديمقراطية). ففوز دونالد ترامب عام 2016 كان نوعًا من الانحراف (aberation)، ومن الأخطاء التى لم يسلم منها النظام الديمقراطى. ولكن النظام الديمقراطى يمتلك آلية التصحيح الذاتى (Auto-correction) لأخطائه. وها هى الانتخابات الأمريكية الأخيرة قد صححت ذلك الخطأ، وتخلصت من ترامب.