توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حراس التخلف

  مصر اليوم -

حراس التخلف

بقلم : عمرو الشوبكي

لماذا هناك مجتمعات متخلفة وأخرى متقدمة؟ سؤال احتار العلماء والسياسيون فى الإجابة عنه، وإن تنوعت الآراء والأسباب، فهناك مَن قال إن المشكلة فى الجهل وانعدام الثقافة، وقسَّم الشعوب على ضوء أعراقها ودياناتها، فاعتبر أن هناك الثقافات «البيضاء الراقية»، وهناك الأعراق «السمراء المتخلفة»، وهناك مَن أوصل بوضوح تخلف بعض الشعوب إلى جيناتها الوراثية، فى حين حمّل البعض الآخر الاستعمار مسؤولية التخلف فى كل بلاد العالم الثالث نتيجة الاستغلال السياسى والنهب الاقتصادى، باعتباره هو مَن فرض التخلف على كل الشعوب التى احتلها.

ومع طى صفحة الاستعمار وتحرر شعوب العالم الثالث، انتقلت معادلة تفسير التخلف من الاستعمار إلى ثنائية النظام السياسى والشعب، واختلفت الآراء مرة أخرى، وحمّل البعض الشعب مسؤولية التخلف نتيجة الأمية والفقر والجهل، وحمّل البعض الآخر النظام القائم مسؤولية هذا التخلف باستبداده وسوء سياسته.

والحقيقة أن حراس التخلف خليط من المجتمع والنظم الحاكمة، فهناك من التجمعات والمؤسسات والقوى والأفراد مَن يحرصون كل الحرص على نشر التخلف والجهل، وليسوا كلهم من النظام الحاكم، ولا أجهزته المسيطرة (حتى لو تحملوا المسؤولية الكبرى فى بقاء التخلف)، إنما أيضا هو نتاج أفكار جاهلة وعشوائية سائدة.

حراس التخلف هم مَن أقالوا عقولهم وامتنعوا عن تشغيلها ومسحوها، وأطلقوا العنان لغرائزهم البدائية، وهؤلاء ليسوا بالضرورة ضحايا الفقر والجهل حين اعتبروا الكلام الفارغ نظريات سياسية عظيمة وترديد الخرافات إنقاذا لمصر من المؤامرات الدولية.

فى مصر عرفنا مؤيدين دافعوا عن عبدالناصر وتبنوا فكره الاشتراكى ورددوا كلامه فى العداء للاستعمار والدفاع عن خطاب التحرر الوطنى، وفى عهد السادات عرفنا مؤيدين يدافعون عن السلام مع إسرائيل من أجل تنمية مصر ورخائها، وفى عهد مبارك عرفنا أيضا مؤيدين للاستقرار ومستفيدين من طبقة رجال الأعمال وأعضاء فى الحزب الحاكم، ولم يشعر كثير من المعارضين بالإقصاء والتهميش على مدار أكثر من ربع قرن إلا عقب سيطرة شلة التوريث على مقاليد الأمور.

لقد عرفت مصر على مدار تاريخها مؤيدين ومبررين لأى سلطة، ولكنهم قالوا كلاما طبيعيا فيه مبررات منطقية كانت عادة محل خلاف، على عكس الآن حين وجدنا تراجعا مذهلا فى حجم المؤيدين الطبيعيين، الذين اعتدنا عليهم طوال تاريخ مصر المعاصر، لصالح صعود نماذج مسخ، من أصحاب العقول الممسوحة، تردد كلاما فارغا وأكاذيب مضحكة، حلّت مكان اللغة السياسية التى عرفناها اتفاقا واختلافا.

مازال حراس التخلف يصولون ويجولون على مواقع مشبوهة، ويكررون كلاما فارغا ومُخزِيا لا يقوله عاقل واحد فى أجهزة الحكم، لكن المؤسف أنه مسموح بترويجه مادام المتلقى هو الشعب، فهو «يدوب» عليه يسمع هذا الكلام، والمطلوب أن يغوص فيه ويتعارك من أجله، حتى لو كان مجرد هراء وأكاذيب، أما الأمور الجادة والمعلومات الجادة (سرية على الشعب طبعا) فهى تُترك لأهل الحكم يديرونها بمعرفتهم.

هل يمكن أن نقبل أن يردد البعض الرواية البلهاء بأننا أسرنا قائد الأسطول السادس الأمريكى، وينسى أو يتناسى أن بطولات الجيش المصرى فى حرب الاستنزاف وانتصار 73 وغيرهما لا تحتاج إلى هذا الكلام الفارغ، هل من المنطق أن تغزو عقول البعض رواية اكتشاف رجال القوات المسلحة 600 مليار دولار فى جبل الحلال بسيناء، وعن رجال المخابرات البريطانية الذين أُلقى القبض عليهم هناك، وكيف جاء وزير خارجيتهم للإفراج عنهم، وكذلك فعلت المستشارة الألمانية «ميركل»، أثناء زيارتها مصر، منذ عدة أشهر؟!

كما ردد حراس التخلف رواية أخرى تقول- عشية زيارة الرئيس السيسى الأخيرة للمملكة العربية السعودية- إن هناك صفقة إنقاذ حكم الملك سلمان فى السعودية، بعد اكتشاف الأجهزة المصرية مؤامرة دنيئة لقلب نظام الحكم هناك، وإن السعودية- لترضية مصر- قررت ضخ استثمارات بقيمة 27 مليار دولار، ومنحة 10 مليارات دولار، وبناء قاعدة عسكرية مصرية فى جزيرة الفرسان السعودية جنوب البحر الأحمر لحماية مدخل البحر الأحمر ومضيق باب المندب!!!.

هل يُعقل أن نجد هوجة فجائية على مواقع تتمسح فى الجيش والرئيس تتحدث عن كذبة أخرى تقول- فى عز التنسيق الأمنى بين مصر وحماس- إن الطائرات المصرية تضرب عمق غزة، وهو أمر لم يفعله إلا جيش آخر دولة احتلال فى العالم، أى إسرائيل، هل يعى هؤلاء حجم الجهل والتخلف ومشاعر الكراهية التى ينشرونها حين يضعون جيشا كبيرا مثل الجيش المصرى له تقاليده العريقة فى وضع المعتدى على الشعب الفلسطينى، الذى يعانى من المحتل الإسرائيلى والإرهاب التكفيرى، وهل بعد ذلك سيكون مطلوبا دك حى قاهرى أو صعيدى (أو جزيرة)، لأنه خرج منه إرهابى أو اثنان، وهو نفس منطق نظم الخراب التى دمرت أوطانا وشعوبا فى العالم العربى؟!

حراس التخلف فى بعض الأحيان موجَّهون، وفى أحيان أخرى مخيَّرون، إلا أنهم فى كل الأحوال مسؤولون عن بث الخرافة فى المجتمع وتعميق الكراهية، وبدلا من الحديث عن انتصارات كثيرة حقيقية فى تاريخنا المعاصر، نتحدث عن أوهام وأكاذيب غاب عنها أى كلام جاد ونقاش عام شفاف يمثل أحد شروط التقدم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حراس التخلف حراس التخلف



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon