توقيت القاهرة المحلي 11:55:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دمشق والسير عكس المتوقع

  مصر اليوم -

دمشق والسير عكس المتوقع

بقلم:عمرو الشوبكي

رغم السعادة الغامرة التي يعيشها الشعب السوري عقب سقوط واحد من أبشع النظم ديكتاتورية، وأكثرها إجراماً ودمويةً في العالم، فإن هناك تخوفات أبداها كثيرون ليس بغرض «النكد» على الشعب السوري العظيم، وإفساد فرحته في يوم انتصاره، إنما لكون التغيير في سوريا جاء في منطقة فشلت أو تعثرت فيها تجارب التغيير، سواء كانت مدنية أو مسلحة، بالتالي فإن الخوف على سوريا مشروع، ليس فقط بسبب الخلفية العقائدية لجانب كبير من الفصائل المسلحة، إنما لكون هذا المسار محفوفاً بالمخاطر من دون أن يعني ذلك أنه ليست أمامه فرص نجاح.

والحقيقة أن هناك عاملين في صالح تجربة التغيير السورية يجعلان من الوارد أن تسير «عكس المتوقع» إذا حافظت عليهما: الأول يتمثل في طريقة التعامل مع النظام والمنظومة القديمة، وهنا سنجد أن قادة الفصائل، على رأسهم أحمد الشرع، أكدوا على حرمة الدم ورفض الانتقام العشوائي وتصفية الحسابات، بخاصة مع الإدراك الذي في ذهن الكثيرين أن «الصندوق الأسود» للحكم في سوريا مرتبط بطائفة بعينها بسبب وجود قيادات كثيرة من الطائفة العلوية على قمة أجهزة الأمن والمخابرات مارست أبشع صور التعذيب والجرائم بحق باقي أبناء الشعب، بالتالي فإن خطر الانتقام المذهبي نظرياً وارد، لكنه لم يحدث ونتمنى ألا يحدث لأن ذلك سيكون بداية فشل المسار الانتقالي، كما غابت حتى اللحظة المفردات المشتقة من كلمة «اجتثاث» التي رُفعت في العراق وليبيا والسودان رغم أن دوافع الثأر والاجتثاث في سوريا تفوق أي بلد آخر.

محاكمة عادلة لمن أجرموا في حق الشعب السوري مسار نجاح، والانتقام من البيئة الحاضنة لهؤلاء مسار فشل، والتمييز بين «دلاديل» النظام وأزلامه، وبين قتلته ومجرميه، أمر مطلوب حتى يستطيع السوريون بناء نظام جديد عينه على المستقبل ومتعافٍ من مآلات التجارب العربية الأخرى.

سيظل مأمولاً أن يستمر هذا الخطاب المتحكم في المشاعر و«الفتاوى» السياسية والدينية الإقصائية التي أصابت حتى تجارب التغيير المدنية والسلمية في العالم العربي، ويحدث قطيعة مع هذا الخطاب الثوري الذي وظفه كل تيار من أجل إقصاء خصومه، فرفعته «القوى الثورية» في مصر بدعم إخواني عقب ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 من أجل إقصاء مختلف قيادات النظام القديم ورفع شعار «إمسك فلول»، فحدث الفراغ الذي ملأته القوى الأكثر تنظيماً، كما شهد السودان عقب ثورته مظاهرات لأكثر من عام مطالبة بتفكيك النظام القديم وطاردوا حتى قياداته الوسيطة من دون أن يبنوا مؤسسات بديلة تحل مكان مؤسسات النظام القديم، فحدث الفراغ الذي لم يكن هناك إلا قوات الجيش و«الدعم السريع» ليملآه وكانت النتيجة اقتتالاً أهلياً.

إن طبيعة التغيير «الثورية» في سوريا إذا تبنت مشروعاً دينياً ستمتلك مبررات أكثر من غيرها للانتقام والثأر، لكنها مطالبة بأن تفعل العكس، وأن يكون مشروعها «إصلاحياً» بامتياز مهما كانت مغريات الخطاب الثوري الإقصائي الذي راج في أكثر من بلد عربي وكان أحد أسباب الإخفاق الذي حدث.

مطلوب أن يكون هناك مشروع انتقالي يستوعب كل من لم يتورط في استباحة دماء السوريين، ولم يرتكب جرائم جنائية، وهو توجه حادث حالياً على مستوى الخطاب المعلن، ولكن مع وجود أعين وأذرع الخارج، ومع تعدد الفصائل المسلحة، ستكون هناك تحديات كبيرة أمام تثبيت أركان هذا المسار.

أما العامل الثاني، وهو «خادع»، إذا لم يُشتغل عليه من أجل استمراره، ويتعلق بحالة الإجماع شبه الكامل على رفض النظام القديم، التي جعلت أشد القوى علمانيةً لا تعترض على أن تقود قوى التغيير المسلح فصائل إسلامية متشددة، عززته الطريقة التي باع بها بشار أقرب المقربين له وفراره من البلاد خلسة من دون أن يخبر أحداً منهم.

الإجماع الوطني على رفض نظام بشار سيكون مهدداً في لحظة انتقال السلطة وبناء المؤسسات، فكيف يمكن بناء جيش وطني وأجهزة أمنية وسلطة قضائية مستقلة أو شبه مستقلة لا تخضع لمحاصصة القوى السياسية والفصائل؟ وما هو الأساس العقائدي الجديد الذي على أساسه سيبنى جيش وطني مهني محايد، وأيضاً كيف يمكن أن تبني سوريا نموذجها الجديد في الواقع العملي بصورة مختلفة عن النموذج الإيراني الذي وصفته بأنه «مؤذٍ»، بمعنى ألا تكون هناك ميليشيات مسلحة بجانب الجيش، كما هو الحال مع «الحرس الثوري» الإيراني و«الحشد الشعبي» العراقي و«قوات الدعم السريع» السودانية. يحتاج الأمر لدرجة من الوعي «بالصالح العام» لم تعرفها تجارب التغيير بمختلف توجهاتها في العالم العربي.

الوصول إلى مسار انتقالي صلب ومتوافق عليه يحتاج أيضاً لجهود عربية وتركية للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها، وأيضاً التفاعل الإيجابي مع هذا المسار، وتوجيه النصح له لا الوصايا حتى تعود سوريا لعالمها العربي بإرادة شعبها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دمشق والسير عكس المتوقع دمشق والسير عكس المتوقع



GMT 09:37 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يخطئ مرتين في سوريا

GMT 09:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لبنان والمسألة الثقافيّة قبل نكبة «حزب الله» وبعدها

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حب وزواج في زمن الحرب

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود المياه لمجاريها بين الجماعتين؟

GMT 09:31 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نظرة على الأزمة السورية

GMT 09:30 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى الرئيس ترمب

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بلاد الشام... في الهواء الطلق

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
  مصر اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:56 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
  مصر اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 09:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف أسراراً جديدة عن بداياته الفنية
  مصر اليوم - خالد النبوي يكشف أسراراً جديدة عن بداياته الفنية

GMT 11:02 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية
  مصر اليوم - تحقيق يكشف عن تقييد فيسبوك للصفحات الإخبارية الفلسطينية

GMT 23:09 2019 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

بورصة دبي تغلق دون تغيير يذكر عند مستوى 2640 نقطة

GMT 21:08 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

باريس سان جيرمان يستهدف صفقة من يوفنتوس

GMT 14:28 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير المصري تدعم إستمرار ميمي عبد الرازق كمدير فني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon