بقلم : عمرو الشوبكي
فشلت مفاوضات اللحظة الأخيرة التى دعت لها السودان وضمت معها مصر وإثيوبيا، فرغم حدوث تقدم فى المسائل الفنية، إلا أن جوهر الخلاف ظل فى إصرار إثيوبيا على اعتبار تحكمها فى مصب النهر شأنا داخليا يخضع لسيادتها، فى حين أن القانون الدولى يقول إن دول المصب (مصر والسودان وإثيوبيا) لها حقوق متساوية ولا يحق لدولة أن تستحوذ على المياه وتضر بالدول الأخرى.
وبناء عليه، يصبح الحديث عن جدوى أى مفاوضات مع إثيوبيا إضاعة للوقت طالما ظلت غير راغبة فى التمييز بين حقوق السيادة الوطنية، والشراكة مع دول أخرى فى مصب نهر، وحتى لو أضرت بالمصالح المائية لبلد آخر مثل مصر وبأمنها «الوجودى» وليس فقط القومى.
لقد ترسخ لدى إثيوبيا قناعة أنها فى وضع تفاوضى أفضل بعد توقيع مصر على اتفاق إعلان المبادئ قبل حسم الأمور الفنية، كما روّجت إثيوبيا للعالم أنها تبنى من خلال رئيس وزرائها، أبى أحمد، نظامًا ديمقراطيًا يرغب فى التنمية والتقدم ويحتاج سد النهضة لتحقيق ذلك، كما نجحت فى الحصول على تعاطف عدد من النواب الأمريكيين من أصول إفريقيا بعد أن اتهمت مصر أنها دولة استعمارية ترغب فى منع إثيوبيا من التنمية والتقدم، ومازال يتعاطف مع خطابها «الإفريقى» كثير من دول القارة السمراء.
تحتاج مصر إلى مواجهة خطاب الصلف الإثيوبى بخطاب مضاد يؤثر فى العالم بعيدا عن مفردات الاستهلاك المحلى، خاصة أن مصر لم تمتنع عن المشاركة فى أى مفاوضات منذ التوقيع على إعلان المبادئ فى 2015 وحتى الآن.
ستقوم إثيوبيا بملء جزئى للسد (5 مليارات متر كعب) فى شهر يوليو المقبل نظرا لعدم اكتمال الجزء الأوسط من بناء السد، وهذه السعة لن تؤثر على مصر بقدر ما ستمثل تحديا وجرس إنذار حقيقى، أما الخطر الحقيقى فسيكون مع بدايات العام المقبل حين تستكمل إثيوبيا ملء السد بشكل كامل، وهو ما سيترتب عليه إدخال مصر فى فقر مائى حقيقى.
أمام مصر من 6 إلى 8 أشهر تضع فيها خطة مواجهة سياسية شاملة تبدأ كما صرح وزير الخارجية بتقديم شكوى فى مجلس الأمن، وإعداد حملة دولية منظمة تخاطب إفريقيا وأوروبا والقوى الكبرى لشرح عدالة الموقف المصرى.
أما الحديث الغريب والصادم من قبل البعض عن أن هناك مؤامرة دولية لتوريط مصر وجيشها فى حرب، فهذا كلام عبثى لكن بالتأكيد مصر ستدرس كل الخيارات بدقة فى قضية وجود مثل المياه.