توقيت القاهرة المحلي 13:35:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإرهاب الذى لا نريد أن نواجهه

  مصر اليوم -

الإرهاب الذى لا نريد أن نواجهه

بقلم : عمرو الشوبكي

إن التحول الذى شهدته الجماعات الإرهابية فى السنوات الأخيرة يدل على أن الطريقة التى نواجهها بها لن تردعها ولن تحاصرها، إنما على الأرجح ستساعد على انتشارها وضخ دماء جديدة فى شرايينها.

والحقيقة أن رد فعل الدولة على جريمتى طنطا والإسكندرية والقرارات التى اتخذتها لن تحل مشكلة الإرهاب، ليس فقط بسبب الإصرار على الحل الأمنى مدخلا وحيدا لمواجهة الإرهاب، إنما أيضا نتيجة عدم فهم طبيعة التحولات التى أصابت الجماعات الإرهابية، والإصرار على اتهام مناهج الأزهر أو التعليم أو الإعلام على أنها المصدر الوحيد للإرهاب، فى حين أن مصدر الإرهاب الرئيسى فى مساحة سياسية أخرى.

والحقيقة أن مدرسة صناعة التطرف الذى عرفته مصر والمنطقة العربية على أيدى تنظيمى الجهاد والجماعة الإسلامية فى سبعينيات القرن الماضى كانت تقوم على فكرة «التجنيد العقائدى»، أى أن أعضاء هذه التنظيمات كانوا بضعة آلاف مع الجماعة الإسلامية، وبضع مئات مع الجهاد، يتم إعدادهم فكريا وعقائديا بشكل معمق، وتُملأ عقولهم لسنوات طويلة بأفكار ابن تيمية والحاكمية لله وضرورة إسقاط النظم الكافرة التى لا تطبق شرع الله، ثم يمارسون استحلال أموال المسيحيين ويسرقونها، وبعد هذه السنوات الطويلة من الإعداد الدينى والعقائدى يمكن بعدها أن يمارسوا العنف اغتيالا لا انتحارا مثلما جرى مع عشرات المصريين طوال السبعينيات حتى مشهد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.

البنية العقائدية والفكرية لهذه العناصر كانت عميقة، وكُتبت فى مئات الكتب وآلاف النشرات، ورد عليها الأزهر بآراء مناهضة، لعبت دورا كبيرا فى تعديل كثير من هذه الأفكار الجهادية وتصحيح المفاهيم المغلوطة، فى حوارات مُطوَّلة داخل السجون وخارجها، أدت فى النهاية إلى مبادرات وقف العنف.

ومع بدايات العقد الماضى تنقلت الحاضنة الداعشية بين العراق وسوريا وسيناء، وأصبح هناك نمط جديد من التجنيد يختلف عن النمط العقائدى السابق، وهو ما يمكن أن نسميه «التجنيد الشعبى»، أى أن هناك رواية انتقام سياسى ضد النظم القائمة، تروج وسط الناس العادية، تخلق بيئة حاضنة لهذا التجنيد الشعبى، مثلما جرى فى العراق عقب سيطرة داعش على كثير من المناطق السُّنية، نتيجة الاضطهاد والتمييز الطائفى الذى تعرضوا له فى عهد رئيس الوزراء السابق، نورى المالكى، ما جعلهم يتقبلون دخول داعش ويهتفون بشعارهم الشهير: «ألف داعشى ولا مالكى واحد»، وجند داعش آلاف المقاتلين داخل العراق وخارجها، عبر رسالة انتقام سياسى ومذهبى من السلطة الشيعية الحاكمة، غلَّفها بمفردات وشعارات تكفيرية.

والمؤكد أن سيطرة التنظيم على أى بقعة أرض فى سوريا والعراق (خاصة الأخيرة) كانت كافية بعد مدة قليلة من الوقت لاكتشاف حقيقته، وتخلِّى أغلب مَن تصوروا أنه مخلص من مظالم النظم الحاكمة عن دعمه أو التواطؤ معه بعد اكتشاف حجم جرائمه.

أما فى مصر فإن التعامل مع قضية التطرف والإرهاب على أنها قضية مناهج وأزهر وإعلام (كله مؤيد وداعم بصورة لم ترها فى مصر طوال كل عقودها السابقة) هو أمر بعيد تماما عن الواقع، فالمؤكد أن إصلاح الأزهر وتطويره أمر مطلوب، كما أن تجديد الخطاب الدينى أيضا أولوية، إلا أنها ليست هى السبب الرئيسى وراء الإرهاب الحالى.

والحقيقة أن تزايد الإرهاب فى مصر يرجع أساسا لوجود رواية سياسية مناهضة لما جرى عقب تدخل الجيش فى 3 يوليو، استغلت أخطاء ومظالم كثيرة وقعت فيها الدولة والأجهزة الأمنية، وهى مُحمَّلة بخطاب مظلومية وثأر، بدءاً مما حدث فى «رابعة» وانتهاء بأى انتهاك يجرى داخل الأقسام وعلى يد الأجهزة الأمنية، وهى كلها أمور مثلت بيئة حاضنة لتفريخ كثير من العناصر الإرهابية لم يتم التعامل معها أو مواجهتها.

عملية التجنيد الأولية (الشعبية) التى نجحت فى استقطاب الآلاف تتم عبر آلية انتقام وخطاب مظلومية سياسية وليس عبر مناهج التعليم المنحرفة، ولا أساسا عبر فقه التشدد والتطرف، بصورة جعلت هناك بيئة حاضنة للإرهاب قادرة على فرز عشرات الانتحاريين المستعدين للموت فى ظل مائة قانون للطوارئ.

الجميع يعرف أن جانبا رئيسيا من مشكلتنا فى سيناء هو مع مئات العناصر التى حملت السلاح فى مواجهة الدولة والجيش نتيجة شحنها بخطاب انتقام وثأر سياسى من ممارسات تجرى على الأرض، تعلقت بضحايا مدنيين سقطوا ولم يعوضوا أو منازل هُدمت أو مصالح اقتصادية تضررت، بالإضافة إلى صور لا حصر لها من معاناة إنسانية يومية أشار إليها عشرات الكُتاب والمراقبين المؤيدين للدولة والنظام الحاكم، ولم يلتفت إليها أحد حتى تفاقمت.

ونفس الأمر تكرر مع المسيحيين، فهم مستهدفون باعتبارهم «نصارى»، وأيضا- (وهذا هو الجديد)- باعتبارهم ذراعا للنظام الحاكم، وتم التعامل معهم باعتبارهم جماعة حاكمة، وحمَّلوهم كل أخطاء السلطة وممارساتها.

المفارقة أن التيار الغالب المؤيد لـ30 يونيو و3 يوليو استُبعد تماما من أى معادلة سياسية، ولم يُسمح له حتى بتقديم دعم صادق وشعبى للدولة فى حربها على الإرهاب، فى ظل ما يشبه المصادرة للمجال العام، لصالح السيطرة الكاملة للأجهزة الأمنية، فانسحب المجتمع من معركة الإرهاب إلا بالأغانى الوطنية وهتافات بعض الإعلاميين.

لن ننتصر فى معركتنا ضد الإرهاب إلا لو فتحنا «الملف المحرم» فى حربنا على الإرهاب، وهو الملف السياسى والدوافع السياسية التى تدفع الكثيرين إلى الانتقال من المعارضة السلمية (غير المسموح بها) إلى قنابل عنف مكتومة.

ولأن فتح «المحرم السياسى» سيتطلب استحقاقات ستعنى ثقة أكبر فى المجتمع، والسماح للعمل الأهلى المستقل بالتحرك، والعمل على بناء دولة قانون وبرلمان يحترم القوانين والأحكام القضائية، فكل هذه استحقاقات يمكن البدء فيها تدريجيا.

إن الخطر أكبر بكثير من الطريقة الإدارية والأمنية التى يتعامل بها الحكم مع ملف الإرهاب، وأكبر من قانون الطوارئ ومن المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب، فهو لديه جذر رئيسى سياسى، بجانب الدينى والتعليمى والثقافى، فعلينا أن نحل مشكلة الجذر الأول ونفتحه دون خوف، وندحض ما هو منحرف فيه ونصحح ما هو خطأ فينا قبل فوات الأوان.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإرهاب الذى لا نريد أن نواجهه الإرهاب الذى لا نريد أن نواجهه



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon