بقلم:عمرو الشوبكي
أزالت الحكومة مجموعة من المقابر التاريخية والقديمة فى منطقة الإمام الشافعى وأزالت أيضًا قبة «مستولدة محمد على باشا» التى انتشرت صورها على مواقع التواصل الاجتماعى وأثارت حزنًا عميقًا لدى الرأى العام وليس فقط خبراء العمارة والآثار، فلا يمكن هدم أى مقبرة تاريخية سواء مسجلة كأثر أم لا من أجل طريق أو مبانٍ جديدة، وهو مشهد مؤلم وغير مسبوق فى تاريخ مصر المعاصر.
والمحزن أن القائمة التى حصرها أحد أساتذة العمارة والآثار عن الجبانات التى هُدمت ضمت: مدفن رب السيف والقلم، محمود سامى البارودى، صاحب بعث وإحياء الشعر العربى الحديث، ومحمد راتب باشا، سردار الجيش المصرى، والقائد إسماعيل شيرين، أحد قادة الأسطول البحرى فى عهد محمد على، وقبة محمد عبدالحليم، أصغر أبناء محمد على، ومدرسة الإمامين التاريخية، ومدرسة رابعة العدوية، وحوش يوسف كمال باشا، راعى الفنون فى مصر، مؤسس كلية الفنون الجميلة، وواجهة حوش إبراهيم النبراوى، وهو من أوائل الأطباء الذين أُرسلوا إلى الخارج لدراسة الطب، وكان من أكبر أطباء عصره، ومدافن عائلتى ثابت وذوالفقار، والملكة فريدة، بجانب مدفن الشيخ ورش، إمام وعالِم فى القراءات القرآنية.
الصفحات التى أُنشئت على مواقع التواصل الاجتماعى من أجل «إنقاذ جبّانات مصر» تضم تفاصيل أخرى، لكن ما يهمنا هو ما جرى بالفعل فى الواقع أو المبدأ نفسه ولماذا حدث الهدم، رغم أن الحكومة أمضت ٤ سنوات فى تشكيل لجان لبحث بدائل للطريق الجديد الذى تنوى إنشاءه، واستمعت لآراء خبراء ومعماريين، وبدا أنها اقتنعت بوقف هدم هذا الجانب من المقابر، حتى فوجئ الناس بأنها فعلت العكس.
لماذا نريد أن نكون استثناء وعجبة مقارنة بكل الدول التى تمتلك واحدًا على عشرة من تراث مصر ومواقعها الأثرية، والتى تجمل المنطقة وتزرع فيها الأشجار والحدائق وتحولها إلى مناطق سياحية استثنائية، وصفتها المعمارية المصرية العالمية جليلة القاضى بأنها تمثل أهم مواقع «التراث الجنائزى لمصر»؟!.
مدهش أن تمثل هذه المنطقة أبرز جوانب الهوية البصرية للقاهرة، ويتم التعامل معها بهذه الطريقة لأن مفهوم الهوية البصرية للمدينة يعنى تلقائيًّا الحفاظ عليها كما هى وتجديدها، فلا يُفترض أن تشوه هوية القاهرة البصرية فى منطقة جبانات الإمام الشافعى بالهدم أو بأى بناء جديد مهما كانت المبررات، فلا يتخيل أحد بناء ناطحة سحاب أمام برج إيفل فى فرنسا تشوه الهوية البصرية لباريس وكذلك مع ساعة بج بن فى لندن والأكروبوليس فى أثينا وصخرة الروشة فى بيروت ومسجدى الفنا فى مراكش والسلطان حسن فى اسطنبول، وقِسْ على ذلك مئات الصور لمختلف مدن العالم التى شكلت هويتها وكانت دائمًا مصدر فخر واعتزاز وطنى وعنصرًا أساسيًّا فى جذب السياحة والأموال أيضًا.