توقيت القاهرة المحلي 09:24:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الديمقراطية التى تهذب

  مصر اليوم -

الديمقراطية التى تهذب

بقلم : عمرو الشوبكي

الديمقراطية ليست فقط نظاما سياسيا، إنما هى أيضا منظومة قيم متكاملة قادرة على أن تعيد تشكيل خطاب التطرف إلى خطاب قريب من الاعتدال وتهذب شوائبه، تلك قاعدة اختُبرت ونجحت فى أغلب التجارب.

وقد دل الخطاب الأول للرئيس الأمريكى دونالد ترامب على تحول مؤكد فى لغة الخطاب وتهذيب لمفردات التطرف، مقارنة بما كان يقوله طوال حملته الانتخابية، فقد تحَدَّث عن ضرورة إيجاد حلول وسط بين الجمهوريين والديمقراطيين فى التعامل مع ملفات عدة، أهمها الهجرة، ونظام التأمين الصحى الذى اعتمده أوباما، وفى الحرب على الإرهاب تعمَّد إضافة كلمة «مسلمة» للدول الحليفة لأمريكا ليعطى رسائل بأن هناك مسلمين من أهل الخير حلفاء لأمريكا، وليسوا جميعا من أهل الشر الإرهابيين.

وتحدث عن قوانين جديدة للهجرة لا تستهدف أبناء ديانة بعينها، وأكد أنه سيضع نظاما أكثر إحكاما لضبط الحدود، ولم ينسَ أن يعلن عن تعاطفه مع الأطفال، الذين عبروا الحدود الأمريكية مع آبائهم بطريقة غير شرعية، ليخفف من حدة خطابه فى مواجهة المهاجرين، خاصة من المكسيك، بعد أن أكد نيته إقامة سور عازل يفصل بين البلدين.

يقينا ترامب سار فى اتجاه مختلف ليس كما يردد البعض ببساطة لأنه أصبح رجلا مسؤولا ووصل للسلطة ولم يعد رجل انتخابات، إنما لأن الآلية الديمقراطية التى أوصلته للسلطة تفرض عليه أن يعيد النظر فى تطرفه، لأن النظم الديمقراطية تقوم ليس فقط على احترام الدستور والقانون واستقلالية المؤسسات القائمة وحيادها من قضاء وإعلام وأجهزة أمنية وإدارية، إنما أيضا هى منظومة متكاملة تدفع كل مَن يدخل فيها إلى النسبية وقبول التنوع وعدم التطرف فى توجهاته بصورة تُقصى الآخرين.

إن خطاب ترامب فى الكونجرس لم يأتِ من فراغ، إنما هو جاء مع اختبار قوة صغير بين الرجل والمنظومة الديمقراطية بكافة أركانها، فكانت كل الإشارات فى غير صالح تطرفه، فقرارات ترامب الخاصة بمنع دخول مواطنى 7 دول من دخول أمريكا واجهتها السلطة القضائية والإعلام والرأى العام، وأجبرته على التراجع جزئيا فى 3 مسائل: الأولى أنه سمح بدخول حاملى بطاقات الإقامة الدائمة من البلدان السبعة لأمريكا، بعد مراجعة سفارات الولايات المتحدة فى بلادهم، لإضافة إجراء أمنى جديد، والثانية أنه صرح بأن «الحظر لا يستهدف المسلمين، ولا يتعلق بأى ديانة، إنما هو إجراء احترازى لحماية أمن وحدود البلاد»، والثالثة أنه فى طريقة لاستثناء العراق من هذا الحظر، حيث القوات الأمريكية.

المعركة بين ترامب والمؤسسات الحاكمة حقيقية، ولكنها تأتى فى ظل ترسيخ القواعد الديمقراطية، والكلام الفارغ الذى يردده البعض عن الانقلاب العسكرى الأمريكى القادم هو دليل جهل ببديهيات المنظومة الديمقراطية وقدرتها على تصحيح أداء النظام الجديد من داخله وفق المسار الدستورى والقانونى المستقر.

على كل المهتمين بالشأن العام وبالنظم السياسية أن يتابعوا ما يجرى فى أمريكا فى الأشهر القادمة، فلو اتجه ترامب نحو مزيد من التطرف (وهو ما لم يحدث مع الاختبار الأول) ستنقسم أمريكا داخليا بصورة لم تعرفها من قبل، وسنشهد نظاما مختلفا عما عرفه العالم الحر والديمقراطى على الأقل فى نصف القرن الأخير، وإذا عدل ترامب من خطابه بفضل قوة المنظومة الديمقراطية كما شهدنا فى خطابه الأول فإن هذا سيعنى أنه سيسير فى اتجاه مزيد من الاعتدال، وأن آراءه المتطرفة لن تعنى إقصاءً للمخالفين أو تهديدا لوجودهم ولا هدما للقيم التى بُنى عليها النظام الديمقراطى من قبول للتنوع والنسبية فى الآراء والحلول الوسط.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديمقراطية التى تهذب الديمقراطية التى تهذب



GMT 02:07 2022 السبت ,11 حزيران / يونيو

سيدتان من المجتمع الراقى

GMT 11:14 2020 السبت ,25 تموز / يوليو

قاموس يتغير

GMT 00:06 2019 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

ماركوس وأقرانه

GMT 00:31 2019 الخميس ,06 حزيران / يونيو

ترامب يغير العالم

GMT 05:28 2019 السبت ,02 آذار/ مارس

حرب عالمية تنتظر رقمها

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon