توقيت القاهرة المحلي 11:21:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حرب إسرائيل الجديدة

  مصر اليوم -

حرب إسرائيل الجديدة

بقلم:عمرو الشوبكي

كشفت حروب إسرائيل الأخيرة عن وجه جديد للدولة العبرية لم يعتَدْ أن يراه كثيرون في العالم العربي، واختزلوها في كونها كياناً ودولة احتلال استيطاني، وبالتالي لم يعد مهماً النظر لديناميات تفاعلاتها الداخلية التي أفرزت صورة جديدة للمجتمع والنخبة الإسرائيليين، حتى لو بقيت دولة احتلال منذ نشأتها وحتى اللحظة.

والحقيقة أن التحول الكبير الذي جرى داخل إسرائيل وغيّر الصورة النمطية التي كانت سائدة عنها، هو موقف حكومتها وقطاع واسع من مجتمعها من قضية المحتجزين لدى حركة «حماس»، وكيف أن إسرائيل طوال تاريخها كانت مستعدة لأن تبادل أسيراً إسرائيلياً واحداً بألف فلسطيني أو لبناني أو عربي، وكانت تجربة الجندي جلعاد شاليط الذي أسرته حركة «حماس» وبادلت به 1027 أسيراً فلسطينياً (بينهم يحيى السنوار) في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، حاضرة في خلفية مشهد عملية 7 أكتوبر 2023، وتصورت «حماس» أنها الأساس الذي سيحكم أي عملية تبادل أسرى مقبلة بين الجانبين. والمؤكد أن جانباً رئيساً من حسابات حركة «حماس» لحظة أسر مئات الإسرائيليين كان مستمداً من صفقة شاليط التي خرج على أثرها السنوار نفسه من السجن الذي كان سيقضي فيه بقية عمره، وأن إسرائيل التي قبلت بأن تبادل بجندي واحد أكثر من ألف فلسطيني ستضطر حتماً لأن تبادل بأكثر من 100 أسير إسرائيلي آلاف الأسرى الفلسطينيين، ولن تتركهم يموتون بنيران جيش الاحتلال، أو بسبب تدهور حالتهم الصحية، وستقبل بوقف إطلاق النار. والحقيقة أن ما جرى كان عكس هذه التصورات، وأن نخبة ومجتمع «إسرائيل الجديدة» ذهبا إلى مكان آخر باتت فيه الأمة والأمن القومي فوق الأفراد، وأن البلد الذي قبل بمبادلة أسير واحد بألف قد تغير واستغنى، ولو ضمناً، عن أبنائه وتركهم فريسة الموت من أجل تحقيق أهداف الأمة في الحرب والأمن والقضاء على الإرهاب واجتثاث «حماس»... إلخ من المفردات السائدة.

صحيح أن هناك ضغوطاً مارسها جانب من الرأي العام الإسرائيلي على نتنياهو من أجل الوصول إلى صفقة تبادل أسرى، إلا أن الغالبية ظلت مقتنعة بما يفعله من جرائم وتقبلت التخلي عن الجانب الليبرالي في منظومة الحكم بإسرائيل التي وضعت قيمة الفرد اليهودي فوق أي اعتبار، وذهبت في اتجاه الأفكار الشعبوية والقومية المتطرفة التي تلغي الفرد وتتحدث عن المهام المقدسة للأمة وعن «العماليق» الذين يجب القضاء عليهم وفق الأساطير التوراتية، وامتلأت تغريدات نتنياهو وتصريحاته بمفردات دينية - قومية وأمنية لافتة تعمقت بعد 7 أكتوبر؛ لكنها كانت موجودة قبلها، ومهدت الطريق للتحولات التي شهدها المجتمع الإسرائيلي، وجعلته يتقبل فكرة أن انتصار الأمة حتى لو كان وهمياً أهم من تحرير الأسرى.

قبل 7 أكتوبر، كرَّر نتنياهو على مدار عام مصطلحات مثل «الأمن» (188 مرة) و«الإرهاب» (94 مرة)، وعدّ أن «الأمن هو الأساس»، أما عقب 7 أكتوبر فقد كتب في تغريداته كلمة «إسرائيل» 175 مرة، تليها «حماس» 102 مرة، ثم «حرب» 86 مرة، و«انتصار» 65 مرة، في حين بدا لافتاً أنه استخدم كلمات: «الناس» فقط 46 مرة، و«المختطفون» 39، و«العائلات» 35، وفق ما جاء في تحقيق لصحيفة «المصري اليوم».

معضلة موقف نتنياهو أنه عدّ جرائم الإبادة الجماعية وقتل المدنيين حرباً عادلة ووضعها في مرتبة أعلى من الفرد والناس، وهيأ تربة المجتمع للسير وراء مقولاته المتطرفة، مستغلاً عملية 7 أكتوبر في تكريس ثقافة الانتقام والثأر داخل المجتمع، الذي تقبّل في أغلبه رغبة نتنياهو في عدم إتمام عملية تبادل الأسرى والوصول إلى وقف إطلاق النار حتى يستمر في السلطة ولا يحاكم.

تحولات المجتمع الإسرائيلي عززها تفوق تكنولوجي واضح اتضح بعملية «البيچرز» التي رتبها بكفاءة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، الذي أسس شركة وهمية «BAC Consulting» في المجر تعاقدت مع شركة «Gold Apollo» التايوانية، لإنتاج أجهزة «البيچرز»، ووضع بشكل خفي وبتقنية عالية مادة «PETN» المتفجرة، وأرسلت لـ«حزب الله» منذ 2022 دون أن يشعر بما هو مخبأ داخلها، وتكرر الأمر نفسه بصورة مختلفة مع الأجهزة اللاسلكية وباستخدام الذكاء الاصطناعي وفي حماية نسبية لجنود الاحتلال في الاشتباكات من المسافة صفر بفضل التفوق التكنولوجي، خصوصاً في لبنان.

صحيح أن هذا التفوق التكنولوجي لم يتعمق فقط من خلال جهود ذاتية إسرائيلية؛ إنما جاء أيضاً نتيجة دعم وانحياز غربي وأميركي لإسرائيل، ورعاية كاملة لقوتها التكنولوجية والعسكرية وحمايتها من المحاسبة مهما كانت حجم الجرائم التي ترتكبها.

ستبقى التحولات التي شهدها المجتمع الإسرائيلي خطرة، وتشير تجارب التاريخ إلى أن النظم التي ألغت الفرد أو همشت دوره أمام دعاوى دينية أو قومية متطرفة، كانت انتصاراتها بقوة السلاح وقتية، وزوالها التاريخي شبه حتمي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب إسرائيل الجديدة حرب إسرائيل الجديدة



GMT 09:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 08:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 08:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 08:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هدف سرى.. معلن

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 09:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
  مصر اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ حماس

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى

GMT 20:31 2021 الثلاثاء ,01 حزيران / يونيو

وادي دجلة يكشف خطة الفريق للبقاء في الدوري الممتاز

GMT 09:26 2021 الأربعاء ,12 أيار / مايو

"الفيفا" يعلن مواعيد مباريات تصفيات كأس العرب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon