بقلم: عمرو الشوبكي
أثارت تصريحات أمس الأول لقائد القيادة المركزية الأمريكية السابق «كينيث ماكينزى» جدلًا واسعًا داخل أمريكا وخارجها، حين قال إنه «نصح الرئيس جو بايدن بعدم سحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان الصيف الماضى»، وإن البنتاجون أوضح للبيت الأبيض أن الانسحاب الكامل سيؤدى بالتأكيد إلى استيلاء طالبان السريع على السلطة.
وأضاف أن الخيار الأفضل كان «إبقاء طالبان فى مأزق، وأن الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة كان من الممكن أن تظل فى السلطة لو قرر بايدن الاحتفاظ بوحدة صغيرة من القوات هناك».
والحقيقة أن أهمية ما ذكره ماكينزى ليس فى تقديره بعدم الانسحاب الكامل، إنما فى قوله بأن أمريكا قد تعود مرة أخرى لأفغانستان فى حال «تعاونت طالبان مع القاعدة» واعتبر أن «من مصلحة الولايات المتحدة على المدى البعيد عدم السماح لمراكز التطرف العنيف بالنمو والتوسع فى أفغانستان. وأعتقد أنه سيحدث فى ظل نظام طالبان الحالى».
والحقيقة أن قرار الانسحاب الأمريكى هو تصحيح متأخر لقرار كارثى وهو غزو أفغانستان، حيث إن مسألة إبقاء قوة عسكرية أمريكية صغيرة هى تفصيلة لن تغير من الصورة الكبيرة الكثير، وهو أن الجيش الأمريكى الذى بقى ٢٠ عاما فى أفغانستان فشل فى بناء جيش أفغانى قادر على مواجهة قوات طالبان.
والحقيقة أن الانسحاب الأمريكى من أفغانستان نجح فى سحب أحد مصادر القوة والتأثير فى خطاب حركة طالبان القائم على مواجهة «المحتلين الأمريكيين»، ووضع الحركة أمام استحقاقات الحكم، ودفعها إلى تقديم مواءمة سياسية مع الواقع الدولى، حيث اختلف جانب من خطابها عما كان عليه فى الفترة من 1996 حتى 2001، نتيجة تواصلهم لسنوات طويلة مع ممثلين عن الولايات المتحدة والمجتمع الدولى فى قطر وغيرها، حتى يمكن القول إن الحركة اكتسبت بعض المهارات فى التعامل مع المنظومة الدولية بعملية وانفتاح أكثر من قبل، دون أن يعنى ذلك تغيير بنيتها العقائدية أو تفسيراتها الدينية، فهى لم تزل على حالها فى رفض الدولة المدنية ومازالت معادية لحقوق المرأة فى العمل والتعليم.
أما فيما يتعلق بعلاقة إمارة طالبان بجماعات التطرف، فهى مازالت مستمرة فى صراعها الدموى مع داعش.. أما علاقتها بالقاعدة فمن الوارد أن تعطى ملاذا آمنا لبعض عناصره فى أفغانستان كما جرى مع أيمن الظواهرى، ولكنها لن تعطى التنظيم ملاذا آمنا كما جرى قبل ربع قرن.
الانسحاب الأمريكى من أفغانستان دون إبقاء أى قوات هو قرار صائب ولو متأخر.. صحيح أنه لم يؤد إلى قيام طالبان بمراجعة بنيتها العقائدية، إلا أنه سيعزز من دعم خياراتها كنموذج دينى محلى منفصل عن نموذج «الجهاد العالمى» الذى قدمته القاعدة.. حتى لو بقيت طالبان جماعة متشددة محافظة ولكنها ستبقى محلية أفغانية.