بقلم:عمرو الشوبكي
تغيرت لهجة إيران وأعادت حساباتها عقب وصول الرئيس ترامب مرة أخرى إلى سدة الرئاسة، ولم تعد تقول إنها سترد على رد إسرائيل (رد الرد) وباتت تدير حساباتها بشكل دقيق، خاصة أنها سبق أن قامت باستهداف إسرائيل ونجحت صواريخها فى اختراق دفاعاتها حتى لو كانت قوتها التفجيرية محدودة، ولكنها كانت رسالة تقول: «نحن قادرون على اختراقكم، وفى المرة القادمة يمكن أن نضاعف الطاقة التفجيرية لهذه الصواريخ».
أن تحسب إيران حساباتها وفق مصالحها القومية أمر جيد، بشرط ألا تؤذى الدول الأخرى، خاصة أنها تعلم أن ترامب الذى اتخذ موقفًا متشددًا من إيران وألغى الاتفاق النووى معها (٥+١) قد عاد إلى السلطة، وأن إدارة بايدن الديمقراطية التى راهنت على العودة للاتفاق فشلت فى تحقيق ذلك.
إن سياسة احتواء إيران، التى تبناها أوباما، فيها قدر من المخاطرة، ولكنها تظل أكثر فاعلية من سياسة الإقصاء الكامل التى يتبعها ترامب، لأن الاحتواء يكون بغرض تغيير السلوك فى مقابل مكاسب اقتصادية وسياسية.
لقد عاد ترامب إلى الحكم وهو يرى فشل مسار احتواء إيران والرهان على عملية دمجها فى المنظومة العالمية بغرض تغيير سلوكها ودفعها نحو الاعتدال.
وقد أعادت إيران حساباتها بعد أن تأكدت أن مشروع العودة للاتفاق النووى والدمج فى المنظومة العالمية قد فشل، وأنها ستصبح أمام إدارة جديدة تؤمن بالتشدد ومزيد من الحصار الاقتصادى والسياسى تجاهها، وهو ما دفعها إلى مراجعة حساباتها والتوقف عن القول إنها تنوى مرة أخرى ضرب إسرائيل ولو بشكل محدود، خوفًا من العواقب.
والحقيقة أن إيران فى هذه الحالة تتقدم وتتراجع وفق حسابات مصالحها، وهو أمر بلاشك طبيعى بل وإيجابى، ولكنها لا تتعامل بنفس الطريقة مع حلفائها وأذرعها فى المنطقة، ولم تترك لهم فرصة الاختيار والدفاع عن مصالح شعوبهم واحترام سيادة دولهم والقواعد التى تضعها.
لقد نجحت إيران فى بناء نموذج سياسى أكثر كفاءة من نظم الصمود والتصدى والممانعة العربية، وامتلكت أوراق ضغط، وناورت أمريكا والغرب، وبنت قاعدة صناعية جيدة، وصمدت فى وجه العقوبات الغربية، كل ذلك سيظل مقبولًا بل ومحل إشادة لو كانت إيران تحملت بمفردها استحقاقات خياراتها السياسية، ولم تنقله إلى بلدان أخرى لم تستشر شعوبها فى مدى قناعتها بالدخول فى حروب أو على الأقل فى توقيتها.
صحيح أن حالة لبنان تقول إن الورقة الأساسية حاليًا التى تقف فى وجه الجرائم الإسرائيلية هى صمود المقاومة وسلاح حزب الله بعد أن استهانت إسرائيل بكل الأدوات السلمية التى يمتلكها لبنان والعرب والعالم، ومع ذلك فإن هذا الصمود لا ينفى الاعتراض على المبدأ، وهو أن الدخول فى حروب يتم وفق حسابات ومصالح عليا يتوافق عليها الجميع، كما تفعل إيران حاليًا ولم يفعل حلفاؤها.