توقيت القاهرة المحلي 09:24:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صناعة الفساد

  مصر اليوم -

صناعة الفساد

بقلم : عمرو الشوبكي

جاءتنى رسالة مهمة من الأستاذ المهندس حاتم راضى، تعليقا على موضوع الفساد الذى أثرناه الأسبوع الماضى، وجاء فيها:

الدكتور المحترم/ عمرو الشوبكي

بعد التحية والتقدير، فقد قرأت سلسلة مقالاتك التى تتحدث عن منظومة الفساد ، وقد أحسست أن هناك زاوية أخرى لم يتم التطرق إليها، وأحببت أن أتشارك معك فيها.

لا بد أولا أن نعترف أن الفساد موجود فى العالم كله، ولكن بنسب متفاوتة قد تعوق أو لا تعوق الحياة والتقدم، فى حين أن فى مصر الفساد أصبح غولا يحول جودة الحياة إلى جحيم مستعر، يشعر به كل إنسان حر له كرامة على هذه الأرض الطيبة، ومن هنا وجب علينا محاربة الفساد الذى انتشر فى كل مكان.

إن أخطر مظاهر الفساد فى مصر ليس فى الأفعال التى قد تتخذ لمصلحة معينة، أو الرشوة التى تدفعها، بل هى الامتناع عن أعمال تصب فى المصلحة العامة. فكم من المهازل التى نراها يوميا فى جميع مجالات الحياة، والتى تحتاج إلى قرار واحد صائب من مسؤول صغير.

إن نظام الدولة المصرية، وأعنى به النظام الإدارى- وإن كانت له علاقة بالنظام السياسى- يساعد على الفساد والإفساد، فالدولة شديدة المركزية لا يشعر معها أى مسؤول صغير أنه يستطيع أن يصلح فى مكانه، بل إنه لا يعرف ما هى صلاحياته كمسؤول وما هى حدوده الوظيفية ومن هم رؤساؤه ومرؤوسوه.

فى العلوم الإدارية هناك ما يعرف بـ«التوصيف الوظيفى»، حيث يعرف كل موظف حدود صلاحياته ومسؤولياته وكيفية محاسبته، فيستطيع بعد ذلك أن ينطلق فى عمله بدون خوف أو ارتعاش، ولكن مع وجود هذا النظام المركزى الذى تأتى فيه كل القرارات من العاصمة، فلن يستطيع أى مهندس رى صغير أن يطهر قناة أو ترعة فى القرية أو يرصف حارة صغيرة فى أحد المراكز النائية، بل سيشعر أن يده مغلولة خوفا من تهم الفساد الهلامية أو محاسبة رئيسه إذا أخطأ أو أصاب.

إن من أبرز مظاهر هذا النظام المفسد مثلا أن المحافظين لا سلطة لهم على أى من الهيئات أو المديريات التى تتبعه، وأن دوره هو مجرد شاهد لما تفعله الوزارات المختلفة فى محافظته، فلو توقفت يا سيدى لتسأل عن أى عمل فى أى شارع مَن المسؤول عنه فلن تجد إجابة، وأتحداك أن تجد المحافظ أو حتى رئيس الحى يعرف الإجابة.

لماذا لا تكون للمحافظ سلطة مستقلة وله صلاحيات معروفة حتى نستطيع أن نحاسبه؟، لماذا لا نستطيع أن نسائل رئيس الحى عما اتخذه من إجراءات للحفاظ على الأموال العامة والناس والشجر مثلا؟.. لماذا لا تكون للمحافظ شرطة خاصة به بدلا من الاعتماد على وزارة الداخلية التى تتحمل كل أعباء الفساد فى مصر؟. هل تعلم يا سيدى الفاضل أن رئيس الحى لا يستطيع أن يحرر محضرا أو يوقف عملية بناء خاطئة بدون إخطار وزارة الداخلية، التى بدورها تخطر شرطة المرافق، والتى بدورها تخطر الحى، ثم يتم تنظيم حملة لإزالة السور المخالف مثلا؟!.. لقد بُحَّ صوتنا من أجل فصل الشرطة المتخصصة، مثل شرطة النقل والمرافق وخدمات المرور، عن وزارة الداخلية، حتى تتفرغ الوزارة ومعها الجهات الرقابية لمسؤولياتها الحقيقية، فتتمكن من ضبط أكابر المجرمين، والسيطرة على فساد الجهات العليا فى البلاد، لا أن تضبط رئيس حى أو مديرا عاما لمنطقة تعليمية أثناء تلقيه رشوة مثلا.

سيدى الفاضل، إن هذا النظام، وأعنى به النظام الإدارى للدولة، هو الراعى الأول للفساد فى مصر، فبدون هيكلة حقيقية، ونسف هذا النظام والبدء فى وضع نظام يسمح بالمسؤولية الحقيقية والرقابة الحقيقية لكل مسؤول ويسمح بوجود لا مركزية حقيقية صاحبة قرار مستقل فى إطار خطة عامة للدولة، فإن هذا الفساد سوف يبقى أبد الدهر، ولن ينصلح حال هذه البلاد حتى لو جاء أفضل حاكم فى التاريخ.

ولك منى جزيل الشكر والعرفان.

مهندس حازم راضى

مهندس تخطيط ومتابعة

المصدر : جريدة المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناعة الفساد صناعة الفساد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon