بقلم : عمرو الشوبكي
لم تكن التصريحات الصادمة التى أعلنها رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون عن موت الأحباء، مجرد شعارات سياسية استفز بها قطاعًا واسعًا من الشعب، إنما استندت إلى نظريات علمية لا يجزم الكثيرون بصحتها (خاصة فى سياق معركة العالم مع فيروس كورونا) إلا أنها تظل علمًا ويتبناها علماء كبار.
الخلاف المعتاد بين بريطانيا وفرنسا تكرر مرة أخرى فى التعامل مع فيروس كورونا، وأصبح لكل بلد اختيار مناقض للآخر، وبقى التفرد البريطانى فى التعامل مع الفيروس امتدادًا لحرصها الدائم على التفرد فى السياسة والاقتصاد وأيضا فى الخيارات الطبية.
بريطانيا لم تغلق المدارس ولا المصالح الحكومية وتبنت خيار عالمها الكبير (والمستشار العلمى للحكومة) باتريك فالنس، وتبنى الرجل نظرية «Herd Immunity» أى «مناعة القطيع» والتى تقوم على تعريض الأفراد الأقل قابلية لمخاطر تدهور حالتهم الصحية لفرص الإصابة بالعدوى، فبترك الطلاب يذهبون إلى المدارس والجامعات (لم توقف بريطانيا حتى اللحظة الدراسة) لأنهم قادرون على اكتساب مناعة ضد الفيروس وينشرونها بعد ذلك فى المجتمع.
يتجاهل هذا التصور الفئات الأضعف والأكبر سنًا والمصابين بأمراض مختلفة أو بالأحرى يضحى بهم فى سبيل الحفاظ على فئات المجتمع الأقوى، وهى فكرة شريرة لا يمكن قبولها أخلاقيًا وعلميًا وسياسيًا، خاصة أنه لا توجد ضمانة لنجاة الأصحاء والشباب أيضا.
الرد الذى يقدمه أصحاب هذا التصور هو أن كبار السن هم أكثر ضحايا الفيروس فى كل الدول، بما فيها التى اتخذت إجراءات العزل الجماعى، وعلقت الدراسة مثل فرنسا وإيطاليا، فى حين أن الخبرة البريطانية تعطى فرصًا أكبر للأصحاء من تجارب الدول الأخرى.
وهناك استحالة فى تطبيق هذا النموذج فى بلدان خدماتها الطبية محدودة، كما لا يجب الثقة فى مخاطرة كبيرة بهذا الشكل فى ظل نقص فى خبرة التعامل مع هذا الفيروس، فى عالم يكتشفه لأول مرة.
أما النقد الأبرز الذى يوجه للخبرة الإيطالية والفرنسية فيتعلق بما اصطلح على تسميته Self-Isolation» Fatigue» أى أن إجراءات العزل التى تطبق على نطاق واسع تؤدى إلى إنهاك نظام المناعة وإضعاف المقاومة وبالتالى انتشار الفيروس، وهى أيضا فرضية لم تثبت صحتها بشكل نهائى بعد.
ومن الواضح أن إجراءات دول العالم المتقدم (أوروبا والصين وأمريكا) فيما عدا بريطانيا فى العزل التدريجى هى الأقرب لواقعنا فى مصر، ولذا كنا ننتظر من وزيرة الصحة رأيًا واضحًا فى فلسفة التعامل مع خطر الفيروس فى ظل جدل علمى واسع حوله (طبعًا فى مصر علماء أكثر كفاءة بكثير يجب الاستفادة منهم)، وخريطة بواقع المنظومة الصحية ونقاط الضعف، وبيانات رسمية دقيقة من خلية أزمة وليس من برامج توك شو، بدلا من الحديث عن الفيروسات الإلكترونية وعدم وعى الشعب وغيرها من الشعارات التى لا ترتقى للتعامل مع أزمة بهذا الحجم.