بقلم : عمرو الشوبكي
حادثة قطار سوهاج مؤلمة وصادمة، فهى مؤلمة من الناحية الإنسانية لأنها تتكرر رغم تغير الوزراء والعهود والسنوات، وهى صادمة لأنها تعنى أن أولويات التنمية لم تضع إصلاح مرفق السكك الحديد كأولوية قصوى لأن الأمر بات يتعلق بأرواح الناس، وكل يوم يمر يدفع الأبرياء ثمن الإهمال وسوء الإدارة وعدم ترتيب الأولويات بشكل صحيح.
يقينًا حوادث القطارات ظاهرة متكررة، وهى ربما من بين الأعلى على مستوى العالم، وبالتالى يصبح السؤال المطروح: هل نحتاج أن نعيد النظر بشكل فورى وجذرى فى منظومة عمل قطارات السكك الحديدية، خاصة أن الوزير الحالى أعلن عن وجود خطة لميكنة حركة القطارات لتلافى الخطأ البشرى، وهو أمر كان يجب أن تُعطى له أولوية قصوى لكى يتم الانتهاء منه فى السنة الأولى من توليه الوزارة؟.
لم يشعر الناس بأن هناك تغييرًا حدث فى منظومة عمل السكك الحديدية إلا فى ارتفاع أسعار التذاكر، فلا القطارات انضبطت فى مواعيدها، ولا مستوى الخدمة والنظافة تحسن بشكل يتناسب مع ارتفاع الأسعار، وأخيرًا مازال هذا المرفق يحصد أرواح مئات المصريين نتيجة تكرار الحوادث.
قضية «الإصلاح المؤسَّسى» لا تتعلق فقط بكيفية الاستجابة للتحديات السياسية، إنما أيضًا بقدرة النظام السياسى على مواجهة سوء الأداء وتراجع المهنية أو عدم الاهتمام بها، وعدم الثقة فى المجتمع ومساعدته (ببناء دولة قانون) على إخراج أفضل ما فيه وإعطاء القدوة بمحاسبة كبار المسؤولين قبل صغارهم.
صحيح لو عرفت مصر أعظم نظام وأكفأ حكومة فلن تحل مشاكل الإهمال والفساد وسوء الإدارة فى يوم أو شهر أو سنة، فى نفس الوقت لا يمكن إصلاح مرافق الدولة ومؤسساتها بدون إرادة سياسية تعتبر الإصلاح المؤسَّسى والكفاءة والمهنية وعدم اعتبار «الرتوش الشكلية» هى نوع من الإصلاح.
إن ضحايا مصر من حوادث العَبّارات والقطارات والطرق السريعة قد يفوقون ضحايا الإرهاب، وحان وقت البحث فى تفاصيل الصورة وأسباب الخلل، ولماذا لم نستطع إصلاح منظومتنا الإدارية، وغياب أى خطة قابلة للتطبيق لإصلاح السكك الحديدية، وهو سيعنى الحفاظ على أرواح الناس لا مجرد إصلاح مرفق عام.
حوادث القطارات ظاهرة متكررة وليست استثنائية، ومادام الأمر يتعلق بأرواح البشر، فلابد أن تحصل على الدعم المالى المطلوب فى ميزانية الدولة، خاصة بعد أن تساءل الكثيرون: هل القطار السريع الذى سيتكلف 360 مليار جنيه يمثل أولوية أم إصلاح مرفق السكك الحديد الذى يستخدمه عشرات الملايين من المصريين هو الأولوية؟ صحيح أن هذا القطار سينشأ بقروض ميسرة، وعلى فترة زمنية طويلة، واعتبره البعض سيسهم فى نقل الحياة إلى مناطق خارج شريط النيل الضيق، ورغم ذلك فإن «فقه الأولويات» يتطلب منا مراجعة جذرية لأولويات خطط التنمية بأن تضع قطارات الشعب على رأسها.