توقيت القاهرة المحلي 09:13:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العشوائية اختيارًا

  مصر اليوم -

العشوائية اختيارًا

بقلم : عمرو الشوبكي

لم تكن مصر دولة متقدمة فى العصر الحديث، ولكنها كانت دولة نامية تتمتع بدور إقليمى كبير وأداءٍ، فيه حد أدنى من الكفاءة ونظام سياسى نعرف حدوده، وأوله من آخره، وخطوطه الحمراء والصفراء، وامتلك بجانب الأمن عقلا سياسيا يحسب به أموره، ويتعامل به مع مشاكله، أيا كانت قدرته على حلها.

وعرف العالم كله هذه المعانى، ففى النظم الديمقراطية يحدد الخطوط الحمراء الدستور والقانون، ولو حدث انحراف عنها، يتم التعامل معه على أنه انحراف وخروج عما توافق عليه الناس، وفى الدول غير الديمقراطية تكون هناك خطوط حمراء ذات طابع سياسى، تحدد الحلفاء والأعداء، ففى منطقة الشرق الأوسط، حيث جيراننا الأتراك والإيرانيون، وجدنا أن الأولى، قبل وصول حزب العدالة والتنمية للحكم، وضعت خطوطها الحمراء باستبعاد كل من له علاقة بالإسلاميين من الوصول للسلطة، وبعد وصول أردوغان للسلطة، أقصى تيارات سياسيةً بعينها، ووصفها بالإرهاب والتآمر، وحددها، وأعلنها للجميع.

أما فى إيران، فاستبعد النظام السياسى كل من يرفض نظام ولاية الفقيه، وحتى ثنائية الإصلاحيين والمحافظين، رغم دورها فى تجديد بنية النظام السياسى، إلا أنها تظل داخل الأطر التى حددها النظام، ولا تستطيع تجاوزها.

وفى مصر، وعلى مدار عصورها غير الديمقراطية، حددت الدولة فى الستينيات أعداءها وحلفاءها علنا، ووضعت خطوطها الحمراء، وأقصت كثيرا من المعارضين لخط عبدالناصر القومى الاشتراكى، وفى عهد السادات وضع الرجل الخطوط الحمراء لنظامه، واعتبر دعم كامب ديفيد ونظامه الرأسمالى وحزبه الوطنى الديمقراطى الذى أسسه- أسسا لنيل «الأمن والأمان» فى مصر.

عادةً كانت هناك دوافع سياسية تقف وراء القمع وتبرره (غير مقبولة تحت أى ظرف)، أما الآن، فنحن أمام مشهد صعبٍ فهمه، وعشوائية لم نرها فى عز نظمنا غير الديمقراطية، وهى أمور تثير أسئلة لا تتعلق فقط بالطبيعة غير الديمقراطية لنظامنا السياسى، ولا بغياب الخطوط الحمراء التى تعرف أى سياسى أو صحفى أو رجل أعمال أو مواطن على باب الله، إنها الحدود التى يقف عندها، وإذا تجاوزها، فسيدفع فيها ثمن مغامرته.

والحقيقة أن المشاهد التى رأيناها فى مصر، مؤخرا، دلت على حجم العشوائية المرعبة، وعدم وضع أى إطار سياسى يحدد طبيعة النظام القائم، فقد اعتبر قطاع واسع من المصريين أن أعداءهم هم الإخوان وحلفاؤهم، فى حين أن كل من ظهروا فى صورة 3 يوليو، خلف وزير الدفاع، فى ذلك الوقت عبدالفتاح السيسى، حين ألقى بيان عزل مرسى الشهير- اكتشفنا، بعد فترة قصيرة، أن الغالبية الساحقة ممن شاركوا أو أيدوا «30 و3 يوليو» إما فى السجون أو جرى إقصاؤهم خارج المجال العالم والسياسى، لصالح تحالف الأمن والبلطجة وبرامج التجهيل الإعلامية.

النظرية الجديدة التى حلت محل ما مكان سائدا من قبل (على عيوبه ومآسيه) أن صورة المجتمع يجب أن تكون سلبية، وأن من يختارهم يجب أن يكونوا سيئين لكى تتكرس فكرة أن سبب مشاكلنا هو جهل الناس، لا غياب دولة القانون وسطوة البلطجة والتدخلات الأمنية.

لم يعد هناك حرص على مراعاة الشكل، كما كان يجرى فى الماضى، لأن النظم الجمهورية السابقة كانت أدواتها مدنية تمثلت فى حزب حاكم ووزراء، تختلف على توجهاتهم، ولكن لا تنكر تعليمهم، أما الآن، فقد تحولت العشوائية واختيار الأسوأ إلى نمط حياة، فلم نعد نعرف من مع النظام ومن ضده ومن مع 30 يونيو، ومن تاجر بها، ولماذا الإصرار على اختيار الأسوأ، ولماذا أصبحنا نضغط على الناس بشعارات لا علاقة لها بواقعهم! دائما لا نجد إجابة.

المصدر: المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العشوائية اختيارًا العشوائية اختيارًا



GMT 00:01 2023 الجمعة ,15 أيلول / سبتمبر

الحزن مصرى

GMT 04:10 2023 الخميس ,15 حزيران / يونيو

مقبرة الخالدين

GMT 00:00 2023 الإثنين ,12 حزيران / يونيو

متى نضبط فوضى الشوارع؟

GMT 00:02 2022 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

حديث المصافحة

GMT 23:17 2022 الأربعاء ,07 أيلول / سبتمبر

نداء الفرصة الأخيرة

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon