بقلم:عمرو الشوبكي
تمثل الأطماع والطموحات الخارجية أحد محددات السياسة الخارجية للدول، خاصة الكبرى ذات التاريخ الاستعمارى، بما يعنى أن الدول الأخرى باتت معرضة للاختراق الخارجى ليس فقط من القوى العظمى إنما من أى دولة أقوى منها.
والحقيقة أن التغيير الذى جرى فى سوريا فتح ملف النقاش حول دور العامل الخارجى، وأكد البعض أن نجاح الفصائل المسلحة فى السيطرة على سوريا كان بدور خارجى ساهم ليس فقط فى دعمها عسكريًا إنما أيضًا فى صياغة خطابها وتنميقه، وأن ما جرى لا يعدو مجرد ترتيبات بين الثلاثة الكبار المتداخلين فى الملف السورى، وهم روسيا وتركيا وإيران، بحيث سهلوا دخول الفصائل وانسحاب الجيش وسقوط النظام الهش.
إن الدعم الخارجى للفصائل المسلحة من قبل تركيا مؤكد، ولكن بلاشك فإن السبب الرئيسى فيما وصلت إليه الأمور كان سوء الأوضاع الداخلية التى دفعت الكثيرين إلى اليأس وحمل السلاح، وإنه إذا كان هناك «خارج» دعَّم هذا الخيار فإن الداخل مسؤول عن إغلاق كل أبواب الأمل وممارسة كل صور القمع بحق مختلف تيارات المعارضة، بما فيها المعارضة السلمية.
ولذا تبدو قصة أحمد الشرع وعائلته لها أكثر من دلالة، وكيف ساهمت فى التحولات التى أصابته، فوالده حسين الشرع كان قوميًا ناصريًا ووقع على إعلان دمشق للتغيير الديمقراطى فى ٢٠٠٥ الذى دعا إلى دولة مدنية ديمقراطية، واعتُقل تقريبًا كل من وقع عليه، وأذكر منهم الراحل ميشيل كيلو الذى التقيته فى المرة الوحيدة الذى زرت فيها دمشق (أعتقد فى ٢٠١٠)، ثم قابلته مرات عديدة بعد أن ذهب كلاجئ فى باريس حتى وفاته فى ٢٠٢١، وحكى الرجل قصصًا مروعة عما تعرض له وزملاؤه أثناء فترة سجنهم الذى امتد لسنوات لمجرد التوقيع على بيان.
ومع اندلاع المظاهرات المدنية فى مارس ٢٠١١ قُوبلت بقمع وحشى وقتل واعتقال لآلاف السوريين من قبل قوات الأمن، وما يُعرف بـ«شبيحة النظام»، بعدها جرى عسكرة الثورة وتدخلت أطراف خارجية كثيرة لدعم الفصائل المسلحة بالمال والسلاح بعد أن أُجهض سيناريو آخر من داخل أيضًا عائلة الشرع قام على الإصلاح من داخل النظام، وكان بطله هذه المرة عم أحمد الشرع (ابن عم والده)، وهو وزير خارجية سوريا الأسبق فاروق الشرع، الذى طُرح كبديل لـ«بشار» من أجل إنهاء الصراع الدموى فى سوريا، ولو قبل هذا السيناريو لنجت البلاد من حرب أهلية امتدت لعشر سنوات قُتل فيها آلاف السوريين ودُمرت مدن وانهار الاقتصاد
أُهدرت فرص الإصلاح الداخلى، سواء من خلال المعارضة المدنية السلمية التى قُمعت بقسوة شديدة، أو عن طريق شخصيات من داخل النظام، وغابت بالتالى المناعة الداخلية التى تحفظ البلاد من أخطار التدخلات الخارجية، فكانت السيطرة الكاملة للفصائل المسلحة نتاجًا لما حدث قبلها.