توقيت القاهرة المحلي 23:46:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الجنوب «العالمي»

  مصر اليوم -

الجنوب «العالمي»

بقلم:عمرو الشوبكي

الانتخابات التي أُجريت في أكثر من عاصمة أوروبية تقول إن هناك تحولاً ثقافياً وسياسياً حدث في هذه البلدان، وأن الصور التي خرجت من الحملات الانتخابية ومؤشرات تصويت المناطق والكتل الانتخابية تقول إن الانقسام بين القوى السياسية لم يعد فقط حول البرامج الاقتصادية والسياسة الخارجية والضرائب والهجرة وغيرها، إنما أصبح هناك انقسام أعمق حول الجمهور الذي يستهدفه كل حزب، وصار الموقف من الأوروبيين من أصول جنوبية أحد أبرز مظاهر هذا الانقسام.

وقد تكون المقارنة بين ظروف نشأة وخطاب أحزاب يسار ويمين الوسط، وبين الأحزاب التي باتت حالياً جزءاً من ظاهرة «الجنوب العالمي» Global South، وبخاصة حين نقارن بين تجربتي الحزب الاشتراكي الفرنسي وحزب فرنسا الأبية، سنجد أن هناك تحولاً كبيراً في شكل الخطاب ومضمونه وطبيعة الجمهور المستهدف من قِبل كلا التيارين.

والحقيقة أن تجربة أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية كانت تقول إن الأحزاب اليسارية واليمينية التي تأسست في ذلك الوقت، لم يكن في مخيلة كثير من قادتها أن المهاجرين الذين تبارى اليمين واليسار إلى جلبهم من بلدان المستعمرات القديمة لكي يساهموا في إعادة بناء ما دمرته الحرب في أوروبا، أن جانباً كبيراً من أبنائهم وأحفادهم سيصبحون مواطنين أوروبيين وسيشكلون أحد الأسباب الرئيسية وراء الاستقطاب السياسي والانتخابي، بخاصة أن موجات الهجرة ظلت تتوالى على أوروبا حتى منتصف الثمانينات من دون قيود كبيرة.

والحقيقة أن الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي ظهر في بداية عام 1960 وحمل اسم الحزب الاشتراكي الموحد، انشغل بقضية أساسية هي بناء تيار سياسي يساري يختلف عن النموذج الستاليني في الاتحاد السوفياتي الذي كان له أنصار داخل الحزب الشيوعي الفرنسي وخارجه. وصحيح أن الاشتراكيين أيّدوا استقلال الجزائر وتعاطفوا مع قضايا الجنوب، إلا أنه ظل من موقعهم كحزب غربي يضم أساساً أصحاب البشرة البيضاء، وتكرر الأمر نفسه حين اتحد هذا التيار مع تيار الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران وأسسا في عام 1971 الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي ظل حزباً يسارياً أوروبياً يتعاطف مع قضايا الجنوب والمهاجرين الذين كانوا في ذلك الوقت لا يطرحون الأسئلة نفسها ولا يثيرون المشاكل ذاتها التي يثيرها المهاجرون اليوم.

إن التحول السياسي والانتخابي الذي شهدته فرنسا وكثير من الدول الغربية بدأ مع وجود كتلة تصويتية كبيرة من أبناء وأحفاد المهاجرين ممن حملوا جنسية البلد الجديد، وصاروا مواطنين لهم حق الترشح والانتخاب، وهنا بدأت الخريطة السياسية في التغير وأصبح الموقف منهم يشكل أحد أوجه الانقسام السياسي والتنافس الحزبي والانتخابي في أوروبا.

إن حزب اليمين المتطرف (التجمع الوطني) يعتمد على تصويت الخائفين من المهاجرين والرافضين لهم والمتشككين في انتماء الفرنسيين من أصول عربية «للعلمانية الفرنسية» والذين في قدرتهم أن يصبحوا مواطنين «كاملين» مثل الفرنسيين «الأصليين» من أصحاب البشرة البيضاء.

يقابل هذا المخزون الانتخابي الكبير لأقصى اليمين، مخزون آخر أقل حجماً من الأوروبيين ذوي الأصول المهاجرة، وهنا سنجد أن حزب فرنسا الأبية بقيادة ميلنشون أصبح المخزون السياسي والانتخابي «للجنوب العالمي» المتمثل في أصوات ملايين الفرنسيين من أصول عربية وأفريقية الذين صوّت كثير منهم له.

صحيح أن لديه أيضاً برنامجاً يسارياً يقوم على عدم شيطنة الهجرة وزيادة الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى ورفع الحد الأدنى للأجور، وهنا لم يختلف جوهرياً عن برنامج الحزب الاشتراكي، ولكنه اختلف معه في التعامل مع الفرنسيين من أصول مهاجرة.

مثير تحليل خطاب ميلنشون أثناء الحملة الانتخابية الأخيرة، فالرجل ركز بشكل أساسي على أحقية أبناء المهاجرين من الفرنسيين في العدالة والمساواة، ولم يبالغ كثيراً حين قال في أحد مؤتمراته: «حين كنت شاباً كانت تقريباً نسبة الفرنسيين من أصول مهاجرة 1 إلى 10، أما الآن فقد أصبحوا 1 إلى 4»، وأضاف: «آباؤكم وأجدادكم بنوا فرنسا وإياكم أن تقبلوا من أحد أن يفرزكم على أساس أصولكم العرقية أو يعتبر أن حقوقكم أقل من باقي الفرنسيين». وختم حديثة معلقاً على قلة عدد المشاركين في الجولة الأولى من الانتخابات باستخدام كلمة عربية: «حشومه».

الانقسام حول كتل الأوروبيين من أصول مهاجرة أصبح واقعاً، صحيح أنهم لا يحملون جميعاً موقفاً سياسياً واحداً، لكن هناك من يرى نفسه جزءاً من المنظومة الثقافية والاجتماعية الغربية، إلا في ملامح وجهه المختلفة، كما كانت حالة رئيس وزراء بريطانيا السابق ريشي سوناك وغيره في أوروبا وفرنسا. إلا أن من المؤكد هناك كتلة جديدة وكبيرة وجدت أحزاباً تخاطبها وأجنحة داخل أحزاب كبرى تتعاطف مع قضاياها (الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي الأميركي)، وكلهم أصبحوا جزءاً من مشهد جديد ما زال تأثيره على الشمال والجنوب في بداياته.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجنوب «العالمي» الجنوب «العالمي»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 19:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والثنائيات الحرجة

GMT 19:06 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عن الصراع المتصاعد والمعنى الفلسفي

GMT 14:05 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

سؤال المرحلة... أي مستقبل للمشروع الإيراني؟

GMT 14:02 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حكومة “لا فَتَّتْ ولا غَمَّست” فلِمَ التعديل!

GMT 13:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لحظات حرجة فى حياتى

GMT 13:58 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

كيف نحمى المقدرات المصرية؟

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
  مصر اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:56 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
  مصر اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 23:18 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

علاج جيني جديد لفشل القلب يحقق نتائج مبهرة خلال التجارب

GMT 06:24 2024 السبت ,07 كانون الأول / ديسمبر

تقنيات عديدة يمكن استخدامها للدخول في النوم سريعًا

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:03 2019 الإثنين ,05 آب / أغسطس

ازمة في الاتحاد السكندري بسبب مواعيد الكأس

GMT 00:30 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

جماهير المصري تدعم الفريق قبل مواجهة النجوم

GMT 22:45 2024 الجمعة ,23 آب / أغسطس

قصي خولي يقدم برنامج "من سيربح المليون"

GMT 00:03 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

المصري يرفض الإستغناء عن بوسكا

GMT 21:20 2019 الخميس ,25 تموز / يوليو

سموحة يتعاقد مع الليبي محمد الترهوني

GMT 10:04 2018 الأحد ,08 تموز / يوليو

نجاح المصرى بالخارج
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon