توقيت القاهرة المحلي 00:03:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل ستتغير معادلات الحكم؟

  مصر اليوم -

هل ستتغير معادلات الحكم

بقلم : عمرو الشوبكي

معادلة الحكم الحالى لم تظهر من فراغ ولم تهبط من كوكب آخر، إنما هى نتاج إخفاقات متتالية للمجتمع السياسى منذ عقود طويلة، ولم تظهر فجأة مع ترتيبات 3 يوليو وعودة الجيش إلى صدارة المشهد السياسى.

فالحكم الحالى له سمات خاصة، قد يراه البعض أسوأ أو أفضل من النظم السابقة، وقد يعترض الكثيرون على سوء الأداء وعلى غياب الرؤية السياسية وعلى التعثر الاقتصادى والتخبط الخارجى وغيره الكثير، إلا أن هذا لا يعنى أن معادلات الحكم الحالية هى فى جوهرها قد خرجت كثيرا عما عرفته مصر منذ ثورة 1919 وحتى الآن بصرف النظر عن شكل الأداء.

معادلة الحكم فى مصر منذ تأسيس الدولة الوطنية الحديثة على يد محمد على فى 1805 وحتى الآن هى معادلة إخفاق للمجتمع ونجاح للدولة، والإخفاق والنجاح هنا يتعلقان أساسا بمعادلة الوصول للسلطة وإدارة شؤون الحكم، فالدولة العميقة أو سلطات الوصاية الملكية أو الجمهورية حكمت البلاد بصور مختلفة، رغم الثورات الشعبية.

إن ثورة 1919 فى مصر لم تنجح فى أن توصل الحزب الشعبى الذى فجرها وقادها (حزب الوفد) للسلطة إلا 7 أعوام غير متصلة على مدار الفترة الممتدة من عام 1919 وحتى قيام ثورة يوليو 52.

والسؤال: من منع الوفد من الحكم وهو حزب الأغلبية؟، والإجابة من منعه هو الطبعة الملكية من الدولة العميقة التى وقفت حائلا أمام حكم حزب الأغلبية، أى حزب الوفد، من الوصول للسلطة بتزوير الانتخابات وتشكيل أحزاب أقلية موالية للقصر. وإذا كانت الطبعة الملكية من الدولة العميقة حالت دون بقاء الوفد فى السلطة لفترات طويلة وأجهضت الإرادة الشعبية، فما الذى جعل الوفد ومعه كل الأحزاب السياسية يسقط بهذه السهولة بمجرد تحرك الجيش بقيادة الضباط الأحرار فى 23 يوليو وظهور زعامة عبدالناصر؟.

يقينا كانت هناك أسباب سياسية وثقافية ترى أن الأحزاب فشلت، وتحديدا الوفد، فى تحقيق ما رفعته من شعارات، أى الحفاظ على الدستور وتحقيق الاستقلال، وفى نفس الوقت فتشت فى تاريخنا العربى عن شخصية المستبد العادل وحلم المخلص أو المنقذ الذى سيحرر البلاد من الاستعمار ويتخلص من خناقات الأحزاب «ودوشتها» وأحيانا مؤامراتها، ويحقق بذلك النهضة والتقدم، فلم يجد الناس أفضل من جمال عبدالناصر بكل جاذبيته وزعامته التاريخية ليعبر عن هذا الجانب.

حكمت الدولة العميقة بشكل غير مباشر قبل ثورة يوليو، وحكمت بعدها بشكل مباشر من خلال تدخل الجيش فى 23 يوليو.

وقد عرفت البلاد محاولتين فاشلتين للخروج من عباءة الدولة العميقة، الأولى مع مشروع التوريث، والثانية مع حكم الإخوان. فيما يتعلق بالأول، فقد نال معارضة واسعة بين النخبة والجماهير، وقبل وربما دعا البعض إلى تدخل الجيش لإجهاض هذا المشروع، ومؤخرا دار بينى وبين د. على الدين هلال حوار حول هذه النقطة، وهل كان مشروع جمال مبارك سيعنى وصول مدنى للسلطة وهو ما رفضناه حتى لو كان الثمن تدخل الجيش.

والحصيلة أن النخبة المدنية التى قادها أحمد عز وأدارت البلد قبل ثورة يناير لم تر إلا مشروع التوريث تقدمه للناس فرفضه الشعب وكانت الثورة بعد تزوير انتخابات 2010 بأسابيع قليلة.

ونفس الأمر تكرر مع حكم الإخوان الذى كان من المستحيل إسقاطه دون تدخل الجيش، ولكن حصيلة هذا التدخل أن نظر إلى الشعب باعتباره «ناقص الأهلية» لا يستطيع أن يختار ممثليه دون وصاية، لأنه حين ترك له الاختيار وأخذ زمام المبادرة بعد ثورة 25 يناير فشل فى أول اختبار وأوصل الإخوان للحكم.

ومنذ ذلك الوقت تم إقصاء، تقريبا، كل القوى السياسية والمدنية التى شاركت فى 30 يونيو وشهدت مصر حالة استهداف للعلم والمدنيين، وإهدار لأحكام القضاء ودولة القانون، لم تراع حتى الشكل مثلما كان يجرى فى عهد مبارك، وغاب أى وسيط سياسى بين الشعب والسلطة الحاكمة لصالح سيطرة أمنية غير مسبوقة على كل مؤسسات الدولة.

وإذا كانت هذه المظاهر محل نقد من كثيرين ولكنها فى الحقيقة تمثل بعض أعراض معادلة الحكم، صحيح أنه تم التعبير عنها بصورة أسوأ من الصور السابقة التى حكمت فيها مؤسسات الدولة البلاد سواء عبر أحزاب الأقلية والقصر فى العهد الملكى، أو من خلال تنظيم أو حزب سياسى فى عهدى عبدالناصر والسادات، إلا أن جوهر معادلة الحكم بقيت فى يد سلطة وصاية ضيقة بديلا عن حكم الشعب. والحقيقة أن هذه هى جوهر معادلة الحكم الحالى فمهما كان الحديث عن أخطاء وسوء أداء وسطوة أمنية، إلا أن حكم الرئيس السيسى نتاج فشل المجتمع السياسى فى بناء أى بديل أو قدرة على الحكم أو صناعة توافقات، وفى نفس الوقت فإن ما سميناه من قبل بالثلث الشعبى المعطل، أى ثلث الأمية والعوز وضحايا الإعلام الموجه، يلعب دورا رئيسيا فى دعم سلطة الوصاية والسير خلف شعاراتها مهما كان بؤسها.

من يتصور أن التغيير سيكون فقط نتيجة سوء الأداء مخطئ، لأن معادلة الحكم أعمق من ذلك، صحيح أن سوء الأداء والفشل الاقتصادى والسياسى مرشحان، فى حال تفاقمهما فى العام المقبل، لأن يدفعا الجميع إلى التفكير فى بدائل كثيرة لانتخابات 2018 قد تكون بمراجعة الرئيس للأداء جذريا (الخيار الآمن والمفضل لدى كثيرين) أو التقدم بمرشح آخر يراهن على تحسين الأداء لا تغيير معادلة الحكم.

أما تغيير معادلة الحكم، فلن يتم بالصوت الاحتجاجى مثلما فعل البعض عقب ثورة يناير، إنما بنجاح الشعب فى بناء بديل سياسى مدنى وطنى يراهن على الدولة والشعب معا، لا أن يرى أحدهما ويسحق الآخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل ستتغير معادلات الحكم هل ستتغير معادلات الحكم



GMT 08:15 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

مواسم الوزراء والمحافظين!

GMT 00:24 2023 الأربعاء ,19 تموز / يوليو

من يحق له الترشح للرئاسة؟

GMT 02:31 2023 السبت ,10 حزيران / يونيو

قراءة في نتائج الانتخابات الكويتية

GMT 06:24 2022 الجمعة ,11 شباط / فبراير

برلين بطاقم سياسى جديد

GMT 06:13 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مراقبة الانتخابات فى أوزبكستان

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon