بقلم عمرو الشوبكي
فوران الضمير
انتفاضة الصحفيين، يوم الأربعاء الماضى، رفضاً لاقتحام الداخلية لمبنى نقابتهم، والقبض على اثنين من الصحفيين المعتصمين بداخلها، مثلت أكبر مشاركة للصحفيين فى جمعية عمومية غير عادية فى تاريخ النقابة منذ نشأتها.
فرغم حصار الداخلية وتحالف المواطنين الشرفاء وغير الشرفاء لمبنى النقابة والتعدى باللفظ أو باليد على بعض الصحفيين ومنع كل من لا يحمل «كارنيه» النقابة من دخول الاجتماع، ومع ذلك كان الحضور مهيبا وهائلا ومثل رسالة قوية للجميع أن حرية الصحافة واحترام الصحفيين جزء من احترام البلد لنفسه، وأن هذه الاستباحة التى تمارسها بعض عناصر الشرطة باتت مرفوضة من قطاع متزايد من عموم المصريين.
والمؤكد أن رسالة الكرامة واحتجاج الضمير مطلوبان فى كل مجتمع، ولكنهما يقيناً غير كافيين لنيل الحقوق، فكثيرا ما شهدنا انتفاضات نبيلة كانت حصيلتها خطوة للخلف، فى حين شكلت فى مجتمعات أخرى خطوة كبيرة للأمام، وكان ذلك دائما بسبب حسن إدارة المعارك السياسية والنقابية.
وإذا كان هدف قطاع غالب من الصحفيين هو تحقيق مكاسب (للمرة الألف بالنقاط) فى مواجهة الإدارة الأمنية، وهو أمر يتطلب قراءة جيدة للمشهد الصحفى والإعلامى جنبا إلى جنب مع المشهد السياسى، وأيضا تقديرات واقعية للتباينات والانقسامات الموجودة داخل الرأى العام والمجتمع المصرى.
والمؤكد أن مطلب إقالة وزير الداخلية، الذى طالب به عموم الصحفيين ومجلس نقابتهم، وأكدت عليه «المصرى اليوم»، أمس، فى افتتاحيتها، أمر مشروع بصرف النظر عن تنفيذه، على عكس المطلب الذى طرحه البعض أثناء انعقاد الجمعية العمومية، الخاص باعتذار رئيس الجمهورية، فهو ليس فقط مطلباً غير واقعى، إنما هو يضعف مطالبك الرئيسية المتعلقة بحرية الصحافة والإفراج عن الصحفيين المعتقلين ورفض اقتحام النقابة، وهى تمثل جوهر مطالب الصحفيين، ونقطة وأول السطر.
أما الموقف السياسى من النظام القائم فليس مكانه نقابة الصحفيين، إنما الساحة السياسية والشارع السياسى والأحزاب على ضعفها، والتمييز بين المطالب المهنية التى فى جوهرها تعكس مشكلة سياسية، وبين الموقف السياسى والحزبى المباشر أمر لابد منه فى هذا النوع من القضايا.
والمؤكد أن رد فعل الجماعة الصحفية اتسم فى مجمله برفض تصرف الداخلية كموقف ضميرى ومبدئى ونقابى لا خلاف عليه. إلا أن التباينات حدثت بين أغلبية تؤيد توجه مجلس النقابة فى قصر معركته على وزارة الداخلية والمطالبة باستقالة الوزير دون الدخول فى معركة مع رئيس الجمهورية بصرف النظر عن مسؤولية النظام السياسى بكل أركانه عما جرى من تجاوز بحق الصحفيين.
إن المطلوب قبل الدخول فى أى معركة هو امتلاك الأدوات التى تؤدى إلى نجاحك، والحقيقة أن الموقف المبدئى الذى اتخذه أغلب الصحفيين نتيجة اقتحام الداخلية لنقابتهم يحتاج أن يأخذ فى اعتباره التنوع الموجود داخل الجماعة الصحفية نفسها، ووجود تيار واسع يرغب فى قصر معركته مع أخطاء وزارة الداخلية، خاصة فى ظل وجود قطاع يعتد به من الرأى العام غير متعاطف مع قضايا الصحفيين لأسباب كثيرة، بعضها له علاقة بحملات التحريض وغسيل الدماغ.
نعم فورة الضمير تحتاج لإدارة تحدد معركتها فى نقاط محددة ولا توسعها لطلب كل شىء وتواجه الجميع، وتلك أمور يجب تداركها فورا حتى تنتصر نقابة الصحفيين فى معركة الحرية والكرامة.