بقلم : عمرو الشوبكي
نجحت تونس فى إجراء ثانى انتخابات رئاسية ديمقراطية فى 5 سنوات، لتؤكد أن الإجابة مدنيا وديمقراطيا مازالت فى العالم العربى هى تونس، رغم التحديات والمشاكل التى تواجهها.
وقد تقدم لهذه الانتخابات 24 مرشحا، وبلغت نسبة المشاركة حوالى 45%، فى مقابل 65% فى الانتخابات السابقة، واتضح وجود تيار واسع، خاصة من الشباب، قاطع الانتخابات الأخيرة.
ووفق النتائج الأولية (غير النهائية) جاء المرشح المستقل قيس سعيد فى المركز الأول، وهو أستاذ القانون الدستورى، ويتسم خطابه بالبلاغة والقوة، وحصل على حوالى 19% من الأصوات، يليه فى المرتبة الثانية نبيل القروى، المرشح المحبوس، ورجل الأعمال، وحصل على حوالى 15% من الأصوات.
والمفارقة أن كلا المرشحين يمثل بروفايل وأداء تقريبا عكس الآخر، فالأول لم يكن لديه مال ولا قناة تليفزيونية ولا جمعية خيرية لمساعدة الفقراء، ولم يعتمد على الإعلام لإيصال دعايته للناخبين، إنما قام بالجلوس مع الناس فى المقاهى والشوارع والأزقة، ورفض الحضور الإعلامى، وقدم نموذجا نظريا وعمليا لمرشح ضد النخبة الحاكمة أو المسيطرة.
ورغم أن تونس تُصنف من الديمقراطيات الناشئة، إلا أنها نجحت فى تقديم تجربة انتخابية إيجابياتها أكبر بكثير من جوانبها السلبية، فمن ناحية أولى فقد وجه الناخبون «صفعة ديمقراطية» للطبقة السياسية التى سيطرت على المشهد السياسى منذ الثورة حتى الآن، وتحديدا ما يُعرف بأحزاب يمين الوسط، التى مثلها بشكل أساسى حزب «نداء تونس»، الذى خاض أكثر من عضو سابق فيه السباق الرئاسى وخسروا جميعا، فى حين أنه لو اتفقت هذه القوى على مرشح واحد لكان باليقين من بين مرشحى الإعادة.
أما المسألة الثانية فهى النظرية الوهمية التى تقول إن أى انتخابات ديمقراطية فى العالم العربى سيفوز بها الإسلاميون، وثبت بالدليل العملى أنها غير صحيحة، فقد شهدت تونس تجربتين انتخابيتين رئاسيتين، خسرت فيهما حركة النهضة الإسلامية، كما دلت النتائج الأولية أن مرشحها فشل فى الوصول إلى الجولة الثانية، بما يعنى أن التصويت العقابى المضاد للنخب الحاكمة، والذى كان يذهب فى كثير من الأحيان إلى التيار الإسلامى، ذهب لغيرهم لأنهم اعتُبروا أيضا جزءا من النخب التى حكمت وفشلت.
صحيح أن حركة النهضة الإسلامية فى تونس هى حزب مدنى له مرجعية إسلامية (مثل حزب العدالة والتنمية الحاكم فى المغرب)، وهو أمر يختلف جذريا عن جماعة دينية لها أذرع سياسية مثل الإخوان فى مصر، فالأولى وارد دمجها فى العملية السياسية، أما الثانية فهو أمر مستحيل.
ويبقى التحدى الحقيقى أمام تونس فى ضعف نسب المشاركة الانتخابية، وعجز النخب التونسية عن إقناع قطاع واسع من الشعب والشباب بجدوى المشاركة فى العملية السياسية والبناء الديمقراطى، بعد أن ترسخ لديهم تصور بعدم جدوى الانتخابات والمسار السياسى.