بقلم : عمرو الشوبكي
حوادث متتالية أثارت انتقاد قطاع واسع من الرأى العام، الأولى المقابر التى تم هدمها لصالح محور جديد، وأكد كثير من المعماريين ورجال الآثار أنها تُعتبر آثارًا تاريخية تعود إلى الحقبة المملوكية، وأن جزءًا من ذاكرة العاصمة تم هدمه، كما أن هناك مقابر لأفراد عاديين ومشهورين فوجئ أصحابها بهدمها، وقد سبق أن أثار إنشاء كوبرى آخر ملاصق لعمارة غير مخالفة، فى مشهد نادر لم ترَه فى مصر ولا أى مكان فى العالم، اعتراض الكثيرين، وأخيرًا تصدُّع عمارة الشربتلى فى حى الزمالك نتيجة أعمال الحفر الخاصة بمترو الأنفاق، حيث حذر كثير من سكان الحى من مخاطرها على البنايات بسبب طبيعة التربة وضيق الشوارع، وهو حدث ذكَّرنا بالطريقة التى تم بها تطوير حى مصر الجديدة، دون مشاركة الأهالى، وبناء مترو أنفاق مكان مترو مصر الجديدة، الذى كان جزءًا من طابع وتاريخ الحى، وهو وسيلة مواصلات تزداد نسبة استخدامها كل يوم سواء فى أوروبا أو المغرب. والحقيقة أن تكرار هذه الحوادث يفرض سؤالًا يتعلق بدور الوسيط الذى يقوم بالتفاوض بين الدولة والأهالى، والإجابة التلقائية يُفترض أن تكون المحليات، وفى حالة مصر مازالت المحليات غائبة لظروف كثيرة، وحان الوقت لبناء روافد اتصال وقنوات مفتوحة بين مؤسسات الدولة والناس فى الأحياء، خاصة أنه كانت هناك مبادرات شعبية لعرض وجهة نظر أهالى هذه الأحياء فيما يتعلق بالمشاكل الموجودة وطرق تطويرها، واعترض كثيرون على مرور مترو الأنفاق فى الزمالك ومصر الجديدة، ليس لأنهما حيّان على رأسيهما ريشة، إنما لأن طبيعة الشوارع والتربة فى الأول تقول إن هناك مشاكل ستترتب على أعمال الحفر، وفى الثانى كان هناك «بديل ذهبى» قائم، وهو مترو مصر الجديدة، ومع ذلك لم يتم الاستماع إليهم.
والمؤكد أن مصر تحتاج محليات حقيقية تقضى على الصورة السلبية التى علقت فى أذهان المواطنين عن المحليات، حتى أصبحوا يسعون لحل مشاكل أحيائهم وقراهم عبر ممثلى السلطة التنفيذية من المحافظين والوزراء، وأحيانًا برسائل مباشرة إلى رئيس الجمهورية. الوضع الحالى يحتاج مراجعة من قِبَل الدولة لا تعيد المحليات بصورتها القديمة سيئة السمعة، إنما تتفاعل بشكل إيجابى مع كل المبادرات المحلية التى خرجت من أحياء مختلفة فى مصر (مصر الجديدة- الزمالك- أرض اللواء- جزيرة الوراق وغيرها).
سيبقى دور الوسيط المحلى أو المبادرات الأهلية حيويًا فى كل النظم السياسية، خاصة فى نظم التعددية المقيدة، لأنها تسمح للمجتمع بأن يبادر وينتقد فى مساحات آمنة تتعلق بالإدارة المحلية والسياسات العامة فى الصحة والتعليم والخدمات، فى ظل قيود معروفة على القضايا السياسية الكبرى، وما جرى مؤخرًا فى أكثر من موقع يقول إنه مطلوب قنوات اتصال أخرى خارج الأجهزة البيروقراطية بين مشاكل الواقع المحلى والدولة.