بقلم : عمرو الشوبكي
تابع العالم ما جرى فى السودان أمس الأول حين وقعت كل من قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكرى على اتفاق المرحلة الانتقالية التى ستستمر ثلاث سنوات محفوفة بالمخاطر والتحديات، وسيقودها مجلس سيادى عضويته مناصفة بين العسكريين والمدنيين وسيرأسه فى الفترة الأولى رئيس المجلس العسكرى ثم رئيس مدنى.
نعم انتصر الشعب السودانى فى معركته الأولى ووضع بلاده على الطريق الصحيح، دون أن يعنى ذلك ضمان نجاحه فى بناء دولة قانون ديمقراطية، فمعركة السودان مثل معارك التغيير والتقدم فى العالم كله هى معركة طويلة ستحسم بالنقاط وليس بالضربة القاضية، وهذا متوقف بشكل رئيسى على أداء قوى الحرية والتغيير.
اتفاق المرحلة الانتقالية أبطاله الشعب السودانى ونخبته المدنية والعسكرية، ونجمه آبى أحمد رئيس وزراء إثيوبيا التى رعت الاتفاق، ونقلته كل قنوات العالم من الجزيرة المحرضة مرورا بسكاى نيوز والعربية وانتهاء بفرنسا 24 والـ BBC وكثير من قنوات ولغات العالم.
إن التوافق على إدارة المرحلة الانتقالية جرى حين اعتمدت قوى الثورة والتغيير منذ اليوم الأول مبدأ التفاوض وضغط الشارع معا، لخدمة الأول وليس لصالح الفوضى والاستباحة وغياب البديل مثلما جرى فى بعض التجارب الأخرى، فالتفاوض قيمة عليا يجب أن يتمسك بها الجميع مهما كانت درجة الخلافات.
رسائل التوقيع على اتفاق المرحلة الانتقالية (رغم الصعوبات) كثيرة ودلالاتها السياسية متعددة، أبرزها أن فرص نجاح أى مرحلة انتقالية لشعب ثار على نظام حكم إخوانى أكبر بكثير من أى مرحلة انتقالية يدعى فيها الإخوان أنهم جزء من قوى التغيير، فهنا ستكون فرص الفشل أكبر بكثير مثلما جرى فى مصر.
لقد أسقط السودانيون حكما اعتبره البعض فى بلادنا حلما (وهما) يسعون إليه، وسموه الحكم الإسلامى وثبت بالدليل العملى أنه أسوأ من باقى النظم الاستبدادية.
ولفت نظرى كلمة محمد ناجى الأصم، ممثل قوى الحرية والتغيير (أقل من 40 عاما) فى احتفال أمس الأول، فقد تميزت بقوة اللغة ورشاقة الأسلوب وبساطة التعبير رغم عمقه (تحسرك على الخطاب السياسى والإعلامى واللغوى فى مصر) وكانت فى مجملها عظيمة وقال 15 رسالة خاطب فيها الجميع وكانت خليطا متجانسا وليس تلفيقيا بين الإيمان بمبادئ الثورة والعملية السياسية. لقد خاطب ضحايا العنف والظلم، والمرأة، والأقليات، وتكلم عن ضرورة خروج البلاد من الأزمة الاقتصادية، وشكر بحفاوة دولا وبفتور دولا أخرى، وتحدث عن حكم الحركة الإسلامية الإخوانية وجرائمه، وقال جملة عظيمة لم يتعلمها الكثيرون فى بلاد عربية أخرى: لن نكون مثلكم ونبنى مشروعنا على الانتقام، فلن ننتقم منكم إنما سنحاسب كل من ارتكب جريمة موثقة منكم بالعدل والقانون.
ستبنى البلاد بالتوافق ودولة القانون العادلة وليس بالشعارات الثورية أو الوطنية أو الإخوانية فمبروك للسودان الخطوة الأولى رغم صعوبة التحديات.