بقلم : عمرو الشوبكي
هل يحتاج نظامنا السياسى فى مصر إلى تنافسية تحمى المسار السياسى الحالى، وتؤمِّنه من أخطار كثيرة، وتضع البلاد على أول طريق الانتقال الديمقراطى؟ أعتقد أن الإجابة المؤكدة نعم، وأن المشهد الذى جرى أثناء انتخابات مجلس الشيوخ، بحيث كان الفوز «معروفًا من الكنترول» لمرشحى القائمة الوطنية، التى نجحت فى ضم عدد من أحزاب المعارضة، (وهو أمر إيجابى)، ولكن انتظر كثيرون «تنافسًا ما» على القوائم الفردية، وهو ما غاب أيضًا.
التعددية المقيدة أو التنافسية المحددة هو طريق نظم شرق أوسطية ليست ديمقراطية، ولكنها تتميز بدرجة كبيرة من التنافس الداخلى، وتضع خطوطًا حمراء لا تسمح بتغيير الأسس والثوابت التى يقوم عليها النظام السياسى، إنما تسمح بتجديد النخب السياسية والإدارية والبرلمانية من خلال عملية تنافسية تجذب المواطنين إلى المشاركة فى العملية السياسية والانتخابية بدلًا من حالة العزوف والإحباط التى أصابت كثيرين.
يقينًا أن ممارسة السياسة فى كثير من بلاد العالم التى حققت تقدمًا اقتصاديًا كبيرًا كانت من خلال قيمتين رئيسيتين: الأولى تنافس «ما دون الخطوط الحمراء»، والثانية دولة القانون الذى يُطبَّق على الجميع دون استثناء.
إن بلدًا متقدمًا مثل سنغافورة كتب رئيس وزرائه الشهير، لى كوان يو، كتابه المهم: «قصة سنغافورة من العالم الثالث إلى الأول»، وكيف نظر إلى المجتمع بتفاصيله ونقاط ضعفه، وكيف بدأ الإصلاحات وواجه عيوب المجتمع (ليس بالشعارات والجمل الرنانة)، وكيف وضع أسسًا لدولة قانون حديثة، رغم أنها لم تكن دولة ديمقراطية كاملة، وكان نظامها أقرب إلى نظام التعددية المقيدة، ومع ذلك صارت هذه التجربة واحدة من أكثر تجارب العالم نجاحًا وإنجازًا.
دولة القانون ستعنى أن المنافسة مقبولة مادامت داخل إطار القواعد القانونية التى وضعها النظام السياسى لنفسه، وبمحض إرادته، وهذا حادث فى مصر، حيث وضع دستور 2014، وجرى تعديل بعض نصوصه، بما يعنى أن الدولة قادرة على أن تضع القواعد التى تريدها، ولا يوجد أى سبب لعدم فرض احترام هذه القواعد بقوة إنفاذ القانون، فالمرشحون للمجالس النيابية ماداموا استوفوا الشروط التى تضعها الدولة وفق الدستور والقانون، فيجب أن ينالوا نفس الفرصة، وأن تتعامل الدولة مع «زيد» مثل «عبيد» ماداما كانا على نفس الأرضية الدستورية والمدنية لأن ذلك سيعنى عمليًا مشاركة الناس فى الانتخابات لشعورهم بوجود «تنافس ما» محدد بالقواعد والقوانين.
سيشارك الناس، وسيحمون النظام السياسى بهامش للاختيار، بعيدًا عن نظريات البعض عن الشعوب الجاهلة غير المُهيَّأة للديمقراطية، والتى لا تنظر إلى مشاكل المجتمع من فقر وأمية على أنها تحدٍّ يجب مواجهته، إنما تعتبرها فرصة للتهرب من مسؤوليتها فى بناء دولة القانون والمنافسة السياسية القادرة على تغيير سلوك الناس وجعلهم أكثر إيجابية ومشاركة فى العملية الانتخابية.