بقلم : عمرو الشوبكي
طرح بعض الباحثين الغربيين سؤال الدولة فى السودان بصورة معكوسة عن السياق المصرى، حين اعتبروا أن ضعف الدولة، وعلى رأسها الجيش، كان من أسباب البدء فى المرحلة الانتقالية بغرض الوصول لعملية انتقال ديمقراطى.
والحقيقة أن هذا الطرح ليس دقيقًا ومن الصعب تعميمه، فكل تجارب الانتقال الديمقراطى التى عرفها العالم فى أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية وقبلهما أسبانيا والبرتغال كانت مؤسسات الدولة فيها قوية ومتماسكة، وكثير منها مثل نظم أمريكا الجنوبية كانت تحت حكم عسكرى، ومع ذلك نجحت فى أن تنجز انتقالا ديمقراطيا دون أن تنجح جميعها فى بناء دولة القانون.
والمؤكد أن السودان عبرت المرحلة الأولى بتوافق بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكرى، حين تخلصت الأولى من فيروسين: خطاب التطرف الثورى (الذى عارض الاتفاق)، والخطاب الإخوانى الذى ثارت عليه، ونظر الطرفان إلى المستقبل بعيدًا عن الانتقام. والمؤكد أن ضعف الدولة خطرٌ، لأنه يفتح الباب أمام انهيارها، وقد يؤدى إلى انقسام الجيش أو غيابه أو تحوله لميليشيا، وهو بلاشك السيناريو الأسوأ فى كل التجارب السياسية العربية وغير العربية.
إن خطر انقسام الجيش خطرٌ عرفته بلاد عربية كثيرة، وخطر انهيار الدولة حقيقى تكرر فى ليبيا والعراق واليمن، وخطر سيطرة النظام السياسى على الدولة أيضا خطر شهدناه فى سوريا وكانت نتائجه وخيمة. يقينًا ضعف الدولة ليس سببًا فى نجاح الخطوة الأولى للانتقال الديمقراطى فى السودان، إنما تعلُّم النخب المدنية الثورية من خبرات الفشل العربية، ووجود توافق شعبى على رفض الإخوان فى السلطة أو المعارضة، وعدم سيطرة أجهزة ومؤسسات الدولة على المجال العام اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا. بالمقابل، فإن قوة الدولة/ الجيش فى مصر يمكن أن تكون عاملًا مساعدًا لبناء دولة القانون الديمقراطية، بشرط اعتبار الحفاظ عليها ليس أهم من الحفاظ على البشر والناس. صحيح أن مصر تعرضت دولتها الوطنية لمخاطر وتحديات، ولكنها دولة قوية راسخة، وإن هذه المخاطر الحقيقية التى استهدفتها يجب ألا تعطى مبررًا لجانب كبير من الخطاب الإعلامى والسياسى بتجاهل الشعب، بل اعتباره مصدر كل الأزمات. يقينًا الحفاظ على الدولة الوطنية وإصلاح مؤسساتها قيمة عليا وشرط للتقدم والإصلاح، وفى نفس الوقت فإن حماية الدولة ليست هدفًا فى حد ذاته إنما وسيلة لهدف أكبر وأسمى وهو حماية الشعب. علينا ألا ننسى أن من أجهض مشروع التوريث وحافظ على الجمهورية فى مصر هو الشعب، وأن من أسقط مشروع الجماعة والعشيرة وحافظ على الدولة هو أساسا الشعب، كما علينا فى نفس الوقت أن نشيد بالشعب السودانى الذى فى ظل ظروف أصعب (ضعف الدولة وخطر انهيارها وانقسام الجيش) نجح فى أن يسقط نظامًا استبداديًّا، وينطلق على أول الطريق الصحيح.