توقيت القاهرة المحلي 20:43:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل مطلوب «هداية» الغرب؟

  مصر اليوم -

هل مطلوب «هداية» الغرب

بقلم:عمرو الشوبكي

أثارت بعض استعراضات افتتاحية الأولمبياد في العاصمة الفرنسية باريس انتقادات واسعة داخل فرنسا وخارجها، بعضها تعلق فيما اعتبر إسقاطاً مسيئاً على لوحة العشاء الأخير التي رسمها الفنان الإيطالي ليوناردو دا فينشي ويظهر فيها السيد المسيح، كما انتقد كثيرون في الشرق وخصوصاً في عالمنا العربي بعض الاستعراضات التي عرضت مشاهد قبول المثلية الجنسية، وفي كلتا الحالتين يمكن اعتبار هذا النقد مشروعاً ومنسجماً مع منظومة القيم السائدة في مختلف المجتمعات الشرقية.

إن رفض مجتمعاتنا التطبيع مع المثلية الجنسية طبيعي، لأن ثقافة هذه المجتمعات ومنظومة قيمها ترفض من يروجون لفكرة أنهم جنس ثالث جديد من حقهم أن يتزوجوا ويتبنوا أطفالاً لم يختاروا أن يكون «أبواهم» من نفس الجنس، وهو خيار رفضته بعض الدول الأوروبية ومعظم دول العالم.

كما رفضت مجتمعاتنا مسألة ازدراء الأديان وبشكل أصيل دون ادعاء، واعتدنا أن يكون هذا الازدراء موجهاً ضد الإسلام، ولكنه هذه المرة وجه ضد المسيحية رغم نفي القائمين على استعراض باريس وجود هذه النية وعدم اعتبار اللوحة محل الجدل لها علاقة بلوحة العشاء الأخير.

ولم تكن فرنسا تنتظر رد فعل مسيحيي العالم العربي على لوحة العشاء الأخير لتتأكد أن مسألة رفض المساس بالمقدسات الدينية هي قيمة موجودة لدى المسيحيين والمسلمين معاً، وأن ما يجب أن نقوم به ليس هداية الغرب «للطريق القويم»، إنما أن يضع ضمن منظومة قيمه الأساسية قيمة أخرى تتعلق باحترام الحضارات والثقافات الأخرى ما دامت لا تتعارض مع قيم إنسانية محل توافق من كل المجتمعات والثقافات، مثل رفض العنصرية وانتهاك حقوق الإنسان والتحريض على العنف تحت مسمى الخصوصية، ولكن هناك مكان لخصوصية ثقافية تتعلق برفض الإساءة للمقدسات الدينية أو رفض تقنين المثلية الجنسية وقبولها في المجال العام.

صحيح أن فرنسا تدين الإساءة للمؤمنين من أبناء الديانات المختلفة، فمثلاً الإساءة للسيد المسيح وللعقيدة المسيحية مقبول، لكن إهانة المسيحيين كأفراد أو مواطنين مدان قانوناً، ونفس الأمر ينسحب على باقي الديانات الأخرى. والسؤال هو كيف يمكن للعالم العربي أن يشتبك مع أوروبا، وتحديداً مع فرنسا، ونقول إن الإساءة للمقدسات يمثل أيضاً إساءة للأفراد، ولا يمكن القول إن الرسوم المسيئة للرسول الكريم مقبولة، وتكرار القول إن الإسلام دين يحرض على العنف لا يسيء للمسلمين أيضاً كأفراد.

إن مشكلة تعامل جانب من الرأي العام وكثير من رجال الدين في العالم العربي مع هذه التوجهات الغربية ليس في رفضها وإدانتها، فهو أمر طبيعي ومشروع، إنما في طريقة مواجهتها وذلك منذ نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم في أكثر من صحيفة أوروبية إلى الإساءة للسيد المسيح في أحد استعراضات أولمبياد باريس، حيث الاكتفاء بالإدانة والرفض ورفعت أحياناً دعوات مقاطعة البضائع الدنماركية تارة والفرنسية تارة أخرى أو الحديث عن مخاطر الاختراق الثقافي الغربي لحضارتنا، وأن مشهداً هنا أو لقطة هناك ستهدم حضارتنا الضاربة في جذور التاريخ، وستضعف إيمان الناس بعقيدتهم الإسلامية أو المسيحية، في حين أنه من المؤكد أن هذه العقائد راسخة في نفوس الناس ولن تهزها مثل هذه الأشياء.

وقد حاول بعض «الدعاة الجدد» وعدد من رجال الدين، عقب أي إساءة للإسلام أو عملية إرهابية تلصق أسبابها بالإسلام، الترويج لمقولة يجب أن نقنع الغرب أو على الأقل نشرح لهم «الإسلام الصحيح» وهو مفهوم ينم عن عدم فهم العقلية الغربية التي ليست على استعداد لمناقشة تعاليم الإسلام الصحيح ولا أي ديانة أخرى، إنما أن يلتزم فقط المؤمنون بهذا الدين بدستور البلد وقانونه.

إن المطلوب ليس «هداية الغرب» وإقناعه بما تمثله الأديان من قيم سامية أو الاكتفاء برفض أي إساءة أوروبية للمقدسات الدينية، لأن هذا الرفض لا يمثل الرسالة البديلة المطلوب تقديمها في مواجهة «بضاعة الغرب»، إنما مطلوب التأكيد على التنوع الحضاري واحترام ثقافة المجتمعات الأخرى.

إن النقاش العربي الغربي ودور كثير من الرموز الثقافية والدينية في منطقتنا يجب أن يتخلص من عقدة إننا الصح وهم الخطأ ما دمنا دخلنا في حوار مشترك، إنما يجب أن يكون على أرضية أن كلينا قد يكون على صواب، وأن القضية في قبول الاختلاف والتنوع في هذا العالم، وليس أن منظومة قيمنا يجب أن تعلو، إنما يجب أن تحترم، لأنها في الحقيقة هي الغالبة خارج المنظومة الحضارية الغربية، وأن احترام الثقافات الأخرى قد يفتح الباب أمام تجاوز التحيزات الغربية في السياسة والكيل بمكيالين ووجود نظرة عادلة تجاه مختلف الثقافات تحترم التنوع الحضاري في العالم وترفض حديث الأفضلية أو الاستعلاء من أي جانب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل مطلوب «هداية» الغرب هل مطلوب «هداية» الغرب



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 19:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والثنائيات الحرجة

GMT 19:06 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عن الصراع المتصاعد والمعنى الفلسفي

GMT 14:05 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

سؤال المرحلة... أي مستقبل للمشروع الإيراني؟

GMT 14:02 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حكومة “لا فَتَّتْ ولا غَمَّست” فلِمَ التعديل!

GMT 13:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لحظات حرجة فى حياتى

GMT 13:58 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

كيف نحمى المقدرات المصرية؟

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
  مصر اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:56 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
  مصر اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
  مصر اليوم - نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 23:18 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

علاج جيني جديد لفشل القلب يحقق نتائج مبهرة خلال التجارب

GMT 06:24 2024 السبت ,07 كانون الأول / ديسمبر

تقنيات عديدة يمكن استخدامها للدخول في النوم سريعًا

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:03 2019 الإثنين ,05 آب / أغسطس

ازمة في الاتحاد السكندري بسبب مواعيد الكأس

GMT 00:30 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

جماهير المصري تدعم الفريق قبل مواجهة النجوم

GMT 22:45 2024 الجمعة ,23 آب / أغسطس

قصي خولي يقدم برنامج "من سيربح المليون"

GMT 00:03 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

المصري يرفض الإستغناء عن بوسكا

GMT 21:20 2019 الخميس ,25 تموز / يوليو

سموحة يتعاقد مع الليبي محمد الترهوني

GMT 10:04 2018 الأحد ,08 تموز / يوليو

نجاح المصرى بالخارج
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon