بقلم : عمرو الشوبكي
مخالفات البناء هى جزء من مخالفات كثيرة تعرفها مصر، بعضها لن يجلب عائدًا ماديًا للدولة، ولكن تأثيره على المجتمع وعلى قدرته على الفعل المنظم والإنتاج هائلة.
والحقيقة أننا نحتاج رؤية قانونية شاملة للتعامل مع مخالفات السير، ومخالفات الواجهات الكارثية التى تُبنى على عقارات غير مخالفة، والطريقة التى يقود بها «تحالف» سائقى الميكروباص والتوك توك مع أصحاب السيارات الفارهة. يجب توحيد قوانين المرور، وزيادة قيمة المخالفات فى حال التكرار بشكل لا يخضع لأى مساومة أو واسطة، صحيح أن الطرق السريعة مُراقَبة بالرادار، ورجال المرور يوقفون السيارات المخالفة، ولكن ماذا عن «الغرز»، والسير عكس الاتجاه، والسير بدون أضواء خلفية، وأحيانًا أمامية؟ كل ذلك يحتاج منظومة قانونية قابلة للتطبيق وآلية واضحة لتنفيذ القانون.
مسألة أخرى تتعلق بالإيجارات القديمة، صحيح أنها لا تدخل فى إطار المخالفات بالمعنى الضيق، ولكنها تدخل فى إطارها الواسع، أى وجود علاقة «مخالفة» أو غير عادلة بين مستأجر يدفع «ملاليم» للمالك، والحل لن يكون بطرد المستأجرين أو أبنائهم، كما يستسهل البعض هذه الحلول. إن الحل الذى طُبق فى مجتمعات أخرى يكون بوضع لائحة تنظم عملية رفع القيمة الإيجارية، فلا يُعقل أن يكون هناك بيت بُنى فى الخمسينيات، وإيجار شقة به، مكونة من 5 غرف، 10 جنيهات! والمطلوب مضاعفته عشرين مرة مثلًا ليظل أقل من قيمته فى السوق، ولكنه لن يكون كما هو فى الوضع الحالى. نعم من حق المستأجر أن يورث عقاره لأقارب الدرجة الأولى، وفى هذه الحالة مقابل عقد جديد حر، محدد المدة، أو مدى الحياة، وفق اتفاق المالك والمستأجر. لا يوجد سبب واحد يجعل الحكومة لا تقتحم هذا الملف بعيدًا عن أفكار طرد المستأجرين لأن هذا الوضع، المستمر منذ سنوات، فاق تأثيره قضية غياب العدالة فى العلاقة بين المالك والمستأجر، ليصبح أحد أسباب تدهور حال العقارات فى القاهرة التاريخية وتهدُّم كثير منها نتيجة الإهمال وغياب الصيانة، فغير معقول أن تطلب من مالك يحصل على 200 جنيه دخلًا شهريًا من عمارته أن يقوم بأعمال الصيانة المطلوبة، فى حين أن قيمة الإيجار فى عمارة جديدة، لو افترضنا أن كل شققها مؤجَّرة، لن تقل عن 200 ألف جنيه، صحيح أن سعر البناء فى الوقت الحالى ليس كما كان عليه الحال فى الماضى، وهو ما يعنى رفع قيمة الإيجار بقيمة أقل من قيمة السوق الحالية. هذا الإجراء سيعنى مشاركة المالك والمستأجر فى صيانة العقار، وسيعنى عمليًا الحفاظ على جانب مهم من تراث مصر العقارى وضمان السلم الاجتماعى. يجب ألا تكون الحسبة هى العائد المالى الذى ستجنيه الدولة من تحصيل أى مخالفة، فرفع الغبن والشعور بعدم العدالة عن أى فئة فى المجتمع أهم مائة مرة من تحصيل مخالفات بملايين الجنيهات.