بقلم : عمرو الشوبكي
والحقيقة أن أى راك شعبى لابد أن يقدم قيادات قادرة على التفاوض مع النظام الموجود مثلما جرى مؤخرا فى السودان (رغم صعوبة الموقف) وقبلها تونس، وفكرة إسقاط النظام القديم بكل أركانه عبر احتجاجات الشارع أمر لم يحدث إلا فى بعض ثورات القرون الماضية، ويستدعيها قلة من السياسيين من متاحف التاريخ، فى حين أن كل تجارب التغيير المعاصرة فى أمريكا الجنوبية وأوروبا الشرقية قامت على التفاوض وعلى تغيير تدريجى للمنظومة وليس فى إقصاء كل أركان النظام القديم لصالح الفراغ والفوضى.
المعضلة ليست فى ضغط الشارع والجماهير، فبدونه لما تنحى الرئيس بوتفليقة، إنما فى اعتباره هدفًا وليس وسيلة، لأن الهدف هو بناء بديل سياسى للنظام القديم، ولو ظل هذا البديل مجرد صوت احتجاجى وتظاهرات يومية فإن الوضع سيزداد هشاشة وضعفًا وسيدفع الجيش للتدخل بدعم شعبى.
لا توجد فى الجزائر أحزاب قوية أو نقابات مؤثرة، والنخب السياسية الموجودة يرفضها الحراك، كما أنه لم يفرز نخبًا سياسية تعبر عنه، فهل يعقل أن يستمر فى الرفض بدون تقديم أى بديل؟
ستبقى مشكلة الجزائر مثل تجارب كثير من الثورات العربية التى ترفع طول الوقت شعار «إسقاط كل أركان النظام القديم» وتختزلها فى إقصاء كل رموزه، وتنسى أو تتناسى أنها تسقط فقط الوجوه القديمة، وتترك المنظومة القديمة دون تغيير، وحتى لو جاءت قيادات جديدة لا تنتمى للنظام القديم فإنها ستنتج نظامًا قديمًا بوجوه جديدة، فى حين أن المطلوب هو تفكيك المنظومة القديمة بإصلاحات تدريجية تقوم على التفاوض بين رموز الحراك الشعبى وبين السلطة القائمة. الواقع يقول إن الأحزاب السياسية أضعفت من قبل السلطة، وهناك انقسام جيلى بين شباب الحراك والسياسيين القدامى، وأن هذا الضعف يتحمله بشكل أساسى النظام القديم وهو ما يتطلب وعيًا بضرورة بناء البديل وصناعة مؤسسات سياسية وليس فقط الاعتماد على الصوت الاحتجاجى. انتخابات الجزائر القادمة ستظل مشروعًا ناقصًا لأنها استبعدت جزءًا رئيسيًا من الشعب ممثلاً فى الحراك، تمامًا مثلما استبعد الأخير جزءًا رئيسيًا من الشعب يرى الانتخابات مخرجًا للأزمة. وستبقى انتخابات الرئاسة الجزائرية مخاطرة كبرى مثلما أن الحراك بمفرده ليس حلاً.