بقلم : عمرو الشوبكي
رغم أن الحديث عن إصلاح الإعلام وإعادة هيكلته مازال حديثًا هامسًا، وما يتسرب منه مازال من مصادر أغلبها مُجهَّلة، فإنه مازالت هناك فرصة أن يجرى الحديث حول إعادة الهيكلة من خلال نقاش عام معلن وشفاف يشارك فيه الخبراء وكبار الصحفيين وكل مَن لهم علاقة جادة بصناعة الصحافة والإعلام.
ومع ذلك يبقى مجرد الاعتراف بوجود أزمة كبيرة فى الصحافة والإعلام خطوة فى الاتجاه الصحيح، خاصة بعد انكشاف الإعلام أكثر من مرة، وانصراف جزء كبير من الجمهور المصرى عن متابعته مؤيدين ومعارضين، وبعد أن تعثر فى حل المعادلتين المرتبطتين بدور الإعلام، وهما المهنية والتأثير.
والحقيقة أن رحلة نظامنا الجمهورى مع الإعلام كانت فيها منحنيات كثيرة صعودًا وهبوطًا، إلا أنها اتسمت طوال الوقت بوجود أزمة استقلالية ومهنية خاصة بالنسبة للإعلام الحكومى، ولم يفلت الإعلام الخاص من تلك الأزمة أيضًا.
ومع ذلك ظلت معادلة التأثير حاضرة بقوة، خاصة فى الخمسينيات والستينيات، فى ظل إعلام حكومى ومؤمَّم، وظل السؤال حاضرًا بشدة: ما الذى يجعل إعلامًا موجهًا يعبر عن نظام غير ديمقراطى ينجح ويؤثر بهذه الطريقة؟ والإجابة التى يقولها بعض السياسيين أنه كان هناك مشروع سياسى عبر عنه عبدالناصر حظى بشعبية كبيرة مصريًا وعربيًا، وهى إجابة تمثل جانبًا من الحقيقة، ولكن الجانب الأهم أن مَن نقل رسالة هذا المشروع صحفيًا وإعلاميًا كانوا صحفيين مهنيين كبارًا، ولنا أن نعرف مثلًا أن الهيئة العامة للسينما فى ذلك الوقت ترأسها فى فترة نجيب محفوظ، وقِسْ على ذلك أسماء كبيرة فى عالم الصحافة ظلت تلتزم بثوابت النظام القائم وخطوطه الحمراء، ولكنها تحركت فيما دون ذلك بحرية كبيرة، فى حين أن الوضع الحالى شهد تخبطًا أو عدم وضوح فى القواعد الأساسية لصالح مكايدات ومعارك على التفاصيل: من أسماء الضيوف والمحاورين، إلى شكل الإلقاء والأداء، والأسئلة، فكانت النتيجة كارثية لأنها حوّلت الكثيرين إلى مؤدين بلا روح ولا رسالة.
إذا كانت الدولة تنوى إصلاح الإعلام فعليها أن تراجع بشجاعة المعادلة القائمة على غياب التأثير والمهنية، وإذا كانت الصيغة الحالية قد أنتجت فشلًا فى هذه المعادلة، فكيف يمكن وضع صيغة جديدة لا يمكن بأى حال أن تستهدف التأثير بدون حد أدنى من المهنية، خاصة أن العالم اليوم ليس مثل عالم الستينيات، حيث الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى المفتوحة.
القيود على الخبر أصبحت عملية شبه مستحيلة، والقيام بها يساعد على نشر الشائعات والبلبلة. ملف الإعلام له كود مهنى يعرفه مَن عملوا فيه مثل أى مهنة أخرى، وله كود سياسى يضعه النظام الحاكم وفق الدستور والقانون، وإذا وعينا هذا الواقع عندها يمكن أن نخرج من المعادلة الحالية لصالح معادلة جديدة تعيد إلى الإعلام المصرى حيويته وتأثيره.