بقلم : عمرو الشوبكي
سيعتبر كثيرون أن مطالب المتظاهرين فى العراق هى عكس ما يراه تيار واسع فى مصر، ففى العراق هناك مطالبات بإلغاء الأحزاب ورفض السياسة وإدانة كاملة للطبقة السياسية والبرلمان المتنوع، فى حين أن هناك من يعتبر فى مصر أن أزمة البلاد الرئيسية فى غياب السياسة وضعف الأحزاب وغياب التعبئة السياسية والنقاش العام. أى أن فى العراق هناك فائضًا سياسيًا أدى إلى احتجاجات، وفى مصر هناك جفاف سياسى أثار رفض كثيرين.
تظاهرات العراق التى بدأت العام الماضى تخف ثم تشتعل لكنها لا تغيب، فبدأت منذ عام فى بغداد وانتقلت للمحافظات الجنوبية ثم عادت لتجتاح الاثنين قبل أن تصل فى بغداد إلى مواجهات حقيقية خلفت، وفق كثير من التقارير، 60 قتيلًا.
واللافت أن مطالب المتظاهرين لم تتوقف عند محاربة الفساد والبطالة، والاحتجاج على الغلاء وانقطاع الكهرباء فى بلد نفطى غنى مثل العراق، إنما وصلت إلى المطالبة بإلغاء الأحزاب والحياة الحزبية والعودة لنظام رئاسى، ورئيس يختاره الشعب دون الحاجة لبرلمان ولا كتل حزبية تتخبط وتدخل فى تحالفات غير مبدئية حتى تختار رئيس الوزراء، وتعيش على المحاصصة الطائفية والحزبية.
المفارقة أن المحتجين فى العراق يطالبون بعكس ما يطالب به تيار واسع فى مصر بعودة السياسة والأحزاب السياسية، ويطالب أيضا بتشكيل الحكومة من وزراء سياسيين وحزبيين، فى حين يطالب التيار الاحتجاجى فى العراق بإلغاء الأحزاب وتشكيل الحكومة من وزراء فنيين وتكنوقراط فى مفارقة تبدو لافتة.
والحقيقة أن ما يجرى فى العراق تقاطع مع تجارب تيارات أخرى رفض فيها قطاع واسع من الشعب العملية السياسية البائسة والنخبة السياسية الأكثر بؤسًا، وترتب على هذا الموقف استدعاء الجيش أو تدخل خارجى أو إلغاء الأحزاب.
ولو كان الجيش العراقى بقوته القديمة لربما تدخل بشكل حاسم لوقف العملية السياسية والحزبية وتقديم مخلص قوى أو مستبد عادل يطرح نفسه كمخلص للبلاد من الفساد والبطالة والفقر.
يقينًا الصوت الاحتجاجى الرافض للنظم القائمة وللمؤسسات الحزبية والسياسية لم يعد فقط عراقيًا ولا عربيًا إنما أصبح عابرًا للقارات، فستجده فى تظاهرات السترات الصفراء فى فرنسا حتى لو خفتت، ومظاهرات القوى الاحتجاجية- يمين ويسار- فى ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، التى تعبر عن احتجاج جماهيرى على النظم القائمة أيًا كان شكلها وطبيعتها.
صحيح فى عالمنا العربى لايزال البعض ينطلق من فكرة المخلص من خارج الطبقة الحاكمة، أيًا كان شكلها، ففى العراق تمثلها الأحزاب، وفى مصر يعبر عنها رجال مؤسسات الدولة، فستجد من يرفضهم لأنهم السلطة وأهل الحكم.
احتجاجات العراق رسالة قوية تقول إن الشعوب مازالت رقمًا أساسيًا فى معادلة أى حكم، وأنها قادرة أن تضغط فى حالة العراق من أجل تجديد نظامه السياسى وإصلاحه جراحيًا لا بالمسكنات.