بقلم : عمرو الشوبكي
الحرب التى تفجرت بين أرمينيا وأذربيجان فى الإقليم المتنازع عليه بين البلدين (ناجورنو قرة باغ) فتحت باب النقاش حول أبعاد أخرى تتجاوز الصراع الممتد بين الجمهوريتين اللتين كانتا جزءًا من الاتحاد السوفيتى السابق، لتصل إلى طبيعة الدول التى تدعمهما.
والحقيقة أن هذا الصراع الذى فى جوهره صراع قومى لا يخلو بالطبع من بعد دينى، لكن اللافت أن البلد الرئيسى الذى يدعم أذربيجان فى مواجهة الأرمن هو تركيا وليس إيران، رغم أن أكثر من 80% من الشعب الأذربيجانى من الشيعة، فى مفارقة تبدو لافتة، خاصة أن إيران بدت فى فترات كثيرة سابقة أقرب فى موقفها للموقف الأرمينى لأسباب لها علاقة بأن القومية الآذرية التى تعيش فى إيران طالبت باستقلالها، ونالته لمدة عام واحد فقط (1945) قبل أن يُنهى الجيش الإيرانى هذه الحالة ويسيطر على الإقليم.
والواضح أن الدوافع القومية دفعت تركيا إلى تقديم هذا الدعم الهائل لأذربيجان، وهى الدوافع التى لا تلغى المصالح الاقتصادية بل ربما تمثل أحد جوانبها، فأذربيجان لغتها أقرب للغة التركية، وأسست دولة قومية علمانية، وتردد النخب فى كلا البلدين جملة شهيرة: «شعب واحد فى دولتين»، كما لا يخلو هذا الدعم من كراهية للأرمن وداعميهم، خاصة فرنسا.
ويبدو لافتا أن أذربيجان الشيعية تضع فى شوارعها صورا لمؤسس الجمهورية العلمانية الحديثة فى تركيا مصطفى كمال أتاتورك أكثر حتى من زعماء أذربيجانيين، كما تروج لنموذج قومى علمانى يختلف جذريًا عن النموذج الإيرانى، وحافظت لأسباب قومية واقتصادية واستراتيجية على علاقات قوية مع تركيا.
وتعتبر أذربيجان البوابة الشرقية لتركيا لتصدير النفط والغاز، كما تسعى تركيا للحصول على موطئ قدم فى منطقة القوقاز على الحدود الروسية، لتمتلك ورقة ضغط فى مفاوضاتها مع روسيا، والحصول على تنازلات فى الملفين السورى والليبى.
واللافت أن تركيا اعتادت ألا تدخل فى مكان «لوجه الله» إنما عادة ما توظف هذا التدخل كورقة ضغط فى صراع آخر، وهو الأمر الذى تكرر فى شرق المتوسط وليبيا وسوريا، حيث وظفت أوراق المهاجرين لابتزاز أوروبا، والإرهابيين الذين جلبتهم من سوريا إلى ليبيا للضغط على مصر، ومن الجائز أن تكون الورقة الأذربيجانية ورقة للمساومة مع روسيا.
يقينًا فى الظروف الطبيعية يفوق العامل القومى فى تأثيره العامل الدينى، بصرف النظر عن الاستثمار السياسى لأى من العاملين، وحتى لو كانت تركيا توظف دعمها القومى لأذربيجان لأسباب لها علاقة بمصالحها الاقتصادية والسياسية إلا أن ذلك يؤكد أن العلاقات بين الدول لا يجب أن تقام على أساس دينى أو مذهبى، فهذا وارد فى علاقة دولة بميليشيات كما تفعل إيران مع أذرعها فى المنطقة العربية، إنما غير وارد أن تؤسس الدولة علاقاتها بالدول الأخرى على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة.