بقلم : عمرو الشوبكي
قارب هجوم القائد العسكرى الليبى، خليفة حفتر، فى اتجاه العاصمة طرابلس على 10 أشهر دون أن ينجح فى دخولها، رغم التطورات المتسارعة التى شهدتها الساحتان الليبية والإقليمية، والدعم العسكرى الذى حصل عليه وامتلاكه أكبر قوة عسكرية منظمة داخل ليبيا.
والحقيقة أن السبب الرئيسى وراء عدم نجاح «حفتر» فى دخول العاصمة الليبية أنه لم يسْعَ إلى إجراء تفاهمات مع قبائل وأطراف ليبية عديدة تستطيع تحويل معركته العسكرية من معركة دموية يسقط فيها مئات المدنيين، وتُدمَّر فيها أحياء كاملة، إلى فتح ناعم لطرابلس، يواجه فقط القوى المتطرفة والإرهابية، ويدعمه أغلب السكان.
قوة «حفتر» تكمن فى أنه نجح فى إعادة بناء الجيش الوطنى، الذى يُعد أكبر قوة مسلحة فى ليبيا «تقترب من نصف هذه القوى»، ولكن ليس بصورة مؤسَّسية واحترافية كاملة، فمازال يضم بداخله ميليشيات سلفية وغير سلفية بعيدة عن تقاليد الجيوش المحترفة والنظامية، فى حين تنقسم القوى المناهضة له، والموجود أغلبها داخل طرابلس وعلى أطرافها، بين كتائب مصراتة، وتنظيم فجر ليبيا، المنتمى إلى الإخوان المسلمين، وعدد من الميليشيات المحلية والقبلية، بالإضافة إلى وجود مبعثر لتنظيمى داعش والقاعدة.
قد يكون «حفتر» هو الأنسب لحكم ليبيا فى هذه المرحلة فى حال إذا حمل مشروعًا سياسيًا وامتلك أدوات سياسية للتواصل مع خصومه، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة.
واللافت أن مصر ظلت حتى فترة قريبة تستقبل رئيس حكومة الوفاق الوطنى، المعترف بها دوليًا، فايز السراج، وهى ميزة كبرى أن تنجح مصر فى أن تكون داعمة للجيش الوطنى الليبى، وفى نفس الوقت لم تقطع قنوات اتصالها مع «السراج»، حتى تغير الحال فى الفترة الأخيرة وانقطعت هذه الصلة، وأن وجود مكون إخوانى فى هذه الحكومة ليس مبررًا لإنهاء التواصل والحوار لأنه يتم مع حركة حماس الإخوانية فى غزة.
تحركات «السراج» الأخيرة مقلقة، فقد وقَّع على اتفاق التفاهم الشهير مع تركيا، وأعطى لها حق التنقيب على الغاز والبترول فى ليبيا، وفتح قنوات اتصال مع الجزائر، وروَّج على المستوى الدولى لمقولة إن الحل فى ليبيا لن يكون عسكريًا، وهو صحيح، وتردده كل الأطراف، بما فيها مصر.
لو نجح «حفتر» فى دخول طرابلس فإن هذا لن يجلب الاستقرار إلى ليبيا والمنطقة دون اتفاق سياسى، فالجيش السورى القوى حرّر معظم المدن السورية من تنظيم داعش، ومازالت سوريا مشتعلة بالحرب والقتل والدمار لأنها لم تجد مخرجًا سياسيًا للأزمة، والتحالف العربى يحارب فى اليمن منذ 5 سنوات، ولم يحقق نصرًا عسكريًا نتيجة غياب الأفق السياسى، فى حين أن قوات «حفتر» أضعف من كل هؤلاء، ولن تحسم الصراع فى ليبيا عسكريًا، إنما سياسيًا بتحقيق اختراقات فى طرابلس بعزل الفصائل المتطرفة والتفاهم مع القوى المعتدلة والقبلية.