بقلم : عمرو الشوبكي
الجيش المصرى له مكانة خاصة فى نفوس المصريين، فقد ظل عماد الدولة منذ أسس محمد على الدولة المصرية الحديثة فى 1805، وخاض حروبا مشرفة من أجل الدفاع عن مصالح الوطن.
نصر أكتوبر هو نقطة مضيئة ناصعة فى تاريخ الشعب المصرى والعسكرية المصرية بعد هزيمة 67 التى أحدثت شرخا كبيرا فى نفوس الكثيرين داخل مصر وخارجها.
لم ينتصر الجيش المصرى عسكريا فقط فى حرب أكتوبر 73، ولم يرد الكرامة للشعب المصرى وللشعوب العربية بعبوره قناة السويس وتحرير جزء من أرض سيناء، إنما انتصر أيضا حين استعاد تقاليده كجيش وطنى محترف حارب دفاعا عن الوطن بشرف ونزاهة، وقدم الشهداء الذين روت دماؤهم الزكية أرض سيناء الطاهرة.
ومنذ قيام ثورة يوليو 52 ظل دور الجيش السياسى محل جدل، وإن كان التيار الغالب اعتبر أن تجربة الضباط الأحرار بقيادة عبدالناصر هى جزء من تجارب التحرر الوطنى فى كل دول العالم الثالث، حتى وصلت إلى بلد مثل فرنسا حين بايعت الجنرال ديجول لمواجهة أولا الاحتلال النازى ثم حكمها بعد ذلك.
وقد أخفقت تجارب التحرر الوطنى (على أهميتها وإيجابيتها فى سياقها التاريخى) فى أن تجلب الديمقراطية لكل الشعوب التى حكمتها، وجاءت هزيمة 67 ثم الثورات العربية لتعيد نسج علاقة الجيوش بالسياسة.
إن انتصار أكتوبر هو انتصار للجيش المهنى المحارب، ونكسة 67 هى هزيمة للجيش الذى خرج عن تلك القواعد، وإن أى قراءة للطريق السياسى الذى قدمه عبدالناصر عقب 67 من النقد الذاتى ومراجعة ملف الديمقراطية وإعادة بناء الجيش المهنى المحارب تؤدى إلى أن هذه العوامل هى كلها كانت طريق الانتصار.
الطريق إلى أكتوبر بدأ بإعادة بناء الجيش المصرى على أسس مهنية منضبطة، أو بالأحرى إعادته إلى تقاليده الأولى التى قام عليها منذ تأسس بصورة حديثة فى عهد محمد على.
إن الجيش الذى ضم قادة عظامًا مثل محمد فوزى، وأحمد إسماعيل، وسعد الدين الشاذلى، ومحمد عبدالغنى الجمسى، وأبوغزالة، وباقى زكى يوسف، والشهيد البطل عبدالمنعم رياض، وغيرهم من القادة والضباط والجنود، كان لابد أن ينتصر فى حرب أكتوبر 73.
إن انتصار أكتوبر هو انتصار للجيش المحارب الذى رسخ لقيم الجوهر والمضمون على حساب الشكل، وانتصار لمن رهنوا حياتهم عن طيب خاطر للدفاع عن الوطن والشعب، وقاموا بعملهم الذى أقسموا على القيام به دون الدخول فى أى معارك جانبية، لأنهم واجهوا عدوا قويا مدججا بالسلاح، ويمتلك واحدا من أقوى جيوش العالم، مثل الجيش الإسرائيلى، وواحدا من أقوى أجهزة المخابرات وأكثرها دهاء وقسوة، حتى وصل إلى طريق الانتصار، وهذا كان طريق نصر أكتوبر.