توقيت القاهرة المحلي 21:11:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل مطلوب التواصل بين المعتدلين والممانعين؟

  مصر اليوم -

هل مطلوب التواصل بين المعتدلين والممانعين

بقلم:عمرو الشوبكي

في عالمنا العربي والشرق الأوسط هناك انقسام ممتد بين تيار التسوية السلمية والاعتدال، وتيار المقاومة المسلحة والممانعة، وظهر هذا الانقسام بشكل واضح عقب عملية «7 أكتوبر»، وحتى مواجهات «حزب الله» مع إسرائيل.

ويرجع مشروع الممانعة لعقود طويلة سابقة، وتحديداً منذ أن وقّع الرئيس السادات على معاهدة الصلح بين مصر وإسرائيل، فظهرت جبهة الصمود والتصدي التي ضمت 5 دول، أبرزها نظاما البعث في العراق وسوريا اللذان حاربا بعضهما في مواجهة بعض، ولم يحاربا إسرائيل، وسرعان ما تفكّكت هذه الجبهة، وانتقلت «منظمة التحرير الفلسطينية» من محور الصمود والتصدي إلى الاعتدال، ودخلت في مسار التسوية السلمية عقب توقيعها على «اتفاق أوسلو» في 1993 الذي كان يُفترض أن يؤدي إلى بناء دولة فلسطينية، قضت عليه حكومة شارون ببناء المستوطنات، وحصار السلطة الفلسطينية، وتفريغها من قيادتها، والإنهاء الفعلي والتدريجي لفرص التسوية السلمية.

وبعيداً عن «الأداء العاجز» لنظم الصمود والتصدي التي واجهت السادات، وانعدام كفاءتها، وضعف الشرعية السياسية لأغلب نُظمها، إلا أن مشروع الاعتدال امتلك «إنجازاً» على الأرض، تمثّل في استعادة مصر لأرضها المحتلة، حتى لو كان هناك تيار في مصر والعالم العربي يَعدّ «كامب ديفيد» صلحاً منفرداً أخرج مصر من ساحة الصراع العربي الإسرائيلي (خرجت منه تباعاً كل الدول العربية).

لم تقدّم «اتفاقية كامب ديفيد» حلاً للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وشهدت الأراضي المحتلة انتفاضة الحجارة الشعبية والمدنية في 1987، ونالت تعاطفاً عالمياً غير مسبوق، وفتحت مساراً سياسياً أسفر عن التوقيع على «اتفاق أوسلو» في 1993 الذي سمح بعودة «منظمة التحرير» إلى قطاع غزة والضفة الغربية، ووعد بتحويل الحكم الذاتي الذي ناله الفلسطينيون في مناطق (أ) و(ب) إلى دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

وقد فتح هذا المسار الطريق أمام تصاعُد تأثير تيار الاعتدال العربي والفلسطيني، وتراجُع قوى الممانعة العربية، حتى اختفت تقريباً، ثم تبلورت في صورة جديدة أكثر كفاءةً (بالمعنى النسبي) مع إيران، وعدد من التنظيمات المسلحة. لم يلغِ مسار التسوية السلمية والاعتدال قوى الممانعة، إنما امتلك حاضنة شعبية كبيرة مؤيدة للتسوية السلمية، في نفس الوقت تبلورت حركة «حماس» بصفتها تنظيماً ممانعاً، ورفضت «اتفاق أوسلو»، ولكنها استفادت منه بأن عادت إلى الأراضي الفلسطينية، ووسّعت من دائرة نشاطها وقوّت جناحها المسلح، ودخلت في مواجهات دامية مع حركة «فتح» والسلطة الفلسطينية، حتى سيطرت بالقوة المسلحة على قطاع غزة في 2007، وطردت السلطة ومؤسساتها منها.

والحقيقة أن الانقسام بين المعتدلين والممانعين كان دائماً بسبب مشاريع حقيقية يقوم بها تيار الاعتدال، حتى لو لم تكن محل اتفاق، إنما كانت هي دون غيرها التي تخلق واقعاً جديداً واجهَته قوى الممانعة.

وبصرف النظر عن سلبيات كثيرة في أداء قوى الاعتدال، ومنها ما أصاب السلطة الفلسطينية من ترهّل وسوء أداء، إلا أن مسؤولية سلطة الاحتلال عن جوانب كثيرة من هذه السلبيات مؤكّدة، فقد حاصرت المنظمة وقائدها ياسر عرفات حتى رحيله، وتملّصت من كل الالتزامات التي تضمّنها «اتفاق أوسلو»، وقضت بالاستيطان والقمع على حل الدولتين.

لقد قدّمت نُظم وقوى الاعتدال مشاريع ملموسة، كان لها تجليات على الأرض، سواءً في مصر باستعادة سيناء، أو في فلسطين بإدارة ذاتية لجانب من الأراضي الفلسطينية، في حين أن المشهد الحالي يقول إنه لا يوجد شيء يُذكَر يمكن أن تقدّمه قوى الاعتدال للشعب الفلسطيني، فقد رفضت إسرائيل في خطابها العلني وممارساتها اليومية حل الدولتين وأي تسوية سلمية، ولم تواجه تنظيم «حماس» أو «حزب الله» فقط، إنما مارست الإبادة الجماعية في غزة دون حساب، وقتلت نحو 2100 لبناني دون ردْع، وبات أمراً مُقلِقاً وحزيناً أن يكون مقابل هزيمة تنظيمات المقاومة المسلحة هو «لا شيء»، أو «لا بديل»، أو الفراغ الكامل لصالح قوة باطشة تعيد للأذهان ما عرفه العالم في حروب القرن الماضي. لقد سبق ودخلت آلة الحرب الإسرائيلية في حروب قاسية مع دول عربية وفصائل مسلحة، ولكنها قبلت أن تتواصل مع المعتدلين، بل وقدَّمت ما عَدّته تنازلات لهم، سواءً بالنسبة للرئيس السادات أو السلطة الفلسطينية، أما حالياً فإن القوة الإسرائيلية الباطشة لا تقدّم أي تنازل يحقّق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.

إن حدود التواصل بين تيارَي الاعتدال والممانعة لن يلغي التباين العميق بينهما، إنما يعني أن مشكلة التطرف الإسرائيلي تؤسّس لدولة محصّنة فوق القانون والشرعية الدولية، وباتت تمثّل خطراً حقيقياً على الجميع، وتُصدّر طاقة عنصرية وكراهية ضد العرب، وضد كل من يخالفها في التوجهات، ليس لأنهم ممانعون أو متشددون، إنما بسبب هويتهم أو لون بشرتهم، أو لأنهم لم يتجرّدوا من إنسانيتهم أمام هول ما يجري في غزة ولبنان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل مطلوب التواصل بين المعتدلين والممانعين هل مطلوب التواصل بين المعتدلين والممانعين



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 19:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والثنائيات الحرجة

GMT 19:06 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عن الصراع المتصاعد والمعنى الفلسفي

GMT 14:05 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

سؤال المرحلة... أي مستقبل للمشروع الإيراني؟

GMT 14:02 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حكومة “لا فَتَّتْ ولا غَمَّست” فلِمَ التعديل!

GMT 13:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لحظات حرجة فى حياتى

GMT 13:58 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

كيف نحمى المقدرات المصرية؟

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
  مصر اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:56 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
  مصر اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
  مصر اليوم - نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 23:18 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

علاج جيني جديد لفشل القلب يحقق نتائج مبهرة خلال التجارب

GMT 06:24 2024 السبت ,07 كانون الأول / ديسمبر

تقنيات عديدة يمكن استخدامها للدخول في النوم سريعًا

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:03 2019 الإثنين ,05 آب / أغسطس

ازمة في الاتحاد السكندري بسبب مواعيد الكأس

GMT 00:30 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

جماهير المصري تدعم الفريق قبل مواجهة النجوم

GMT 22:45 2024 الجمعة ,23 آب / أغسطس

قصي خولي يقدم برنامج "من سيربح المليون"

GMT 00:03 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

المصري يرفض الإستغناء عن بوسكا

GMT 21:20 2019 الخميس ,25 تموز / يوليو

سموحة يتعاقد مع الليبي محمد الترهوني

GMT 10:04 2018 الأحد ,08 تموز / يوليو

نجاح المصرى بالخارج
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon