بقلم - عمرو الشوبكي
لم تكشف حرب غزة فقط عن المعايير المزدوجة فى تعامل القوى الكبرى مع إسرائيل وفلسطين، وعن التمييز بين المدنيين فى الدولة العبرية ونظرائهم فى فلسطين، إنما أيضًا عن تمييز آخر بين جماعات التشدد، من القاعدة، مرورًا بطالبان، وحتى حركة حماس، وفق حسابات مصلحية لا علاقة لها بالمواقف المبدئية التى يتم على أساسها تقييم هذه الجماعات.
والحقيقة أن الولايات المتحدة وضعت «أسوة غير حسنة» فى التمييز بين حركة طالبان وحركة حماس، فى مفارقة صارخة، فالأولى، التى شاركت القاعدة فى اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية، لم تصنفها جماعة إرهابية، حتى بعد أن حاربت أمريكا على مدار 20 عامًا، وقتلت مئات الجنود الأمريكيين، أما حماس، التى لم تحارب الولايات المتحدة، ولم تقتل جنودها، ولكنها واجهت حليفتها «المقدسة» إسرائيل، فاتخذت أمريكا موقفًا منها أشد عدائية من موقفها من حركة طالبان، وصنفتها جماعة إرهابية. واللافت أن أمريكا قد أقرّت، بعد 20 عامًا من احتلالها أفغانستان، بأنها لا يمكن أن تستمر، رغم كل المحاولات التحديثية، التى حاولت فرضها على المجتمع الأفغانى، وإنفاقها حوالى تريليون دولار، وفق تصريحات الرئيس الأمريكى «جو بايدن»، من أجل إعادة تأسيس جيش أفغانى جديد وأجهزة أمنية ومؤسسات إدارية «شكلها حداثى»، كما استوردت نخبًا أفغانية متعلمة تعليمًا غربيًّا متميزًا، وحاولت زرعها فى البيئة الأفغانية، وفرضها على قيادة البلاد، وفشلت، وتقبلت النهاية المحتومة لأى سلطة احتلال، وهو الانكسار والهزيمة، ولكنها فعلت العكس مع سلطة احتلال غاشم كإسرائيل، تنفق الملايين على تطوير سلاحها لقتل وقمع الفلسطينيين، وضاعفت- منذ اتفاق أوسلو للسلام- أعداد المستوطنات فى الضفة الغربية ومعها أعداد المعتقلين، واستهدفت المدنيين، ونغّصت عليهم معاشهم اليومى.
فى الحالة الأولى لم تصنف أمريكا طالبان، التى حاربتها وقتلت المئات من جنودها كحركة إرهابية، أما فى الحالة الثانية فصنفت أمريكا حماس، قبل عملية 7 أكتوبر الجارى، كحركة إرهابية، وتجاهلت مسؤولية سلطة الاحتلال عما يجرى فى الأراضى المحتلة إلا بعض التصريحات الطيبة، التى ترى أهمية السلام وحل الدولتين، وتركت إسرائيل على الأرض تنسف كل مقومات السلام. لقد كالت الولايات المتحدة بمكيالين تجاه حركتين متشددتين وفق أهواء السياسة وحساباتها، ولم تطالب طالبان مثلًا بتعديل توجهاتها العقائدية، وخاصة موقفها من المرأة، قبل تسليم الحركة حكم البلاد، إنما تركت لها البلد تحكمه بما هى عليه من أفكار لأنهم اقتنعوا أن مآل أى سلطة احتلال هو الانسحاب وترْك أهل البلد يحكمون بلادهم بأنفسهم، مهما كان الرأى فيهم. يقينًا لا يمكن أن تستمر سياسة الكيل بمكيالين إلى ما لا نهاية له، ولا يمكن أن نصنف تنظيمات وجماعات تحمل السلاح فى وجه محتل بأنها إرهابية، ويجب أن تكون المعايير التى جعلت أمريكا لا تعتبر طالبان إرهابية هى نفسها التى تحكم التعامل مع حماس.