بقلم عمرو الشوبكي
لفت انتباهى فى حديث «عهود الرومى»، وزيرة السعادة فى الإمارات، وهى تتكلم أمام منتدى الإعلام العربى فى دبى، أمس الأول، أنها دعمت حديثها بأرقام عالمية، وأن كلامها لم يكن إنشائياً بلا مضمون!
مما قالته مثلاً، أن تقرير السعادة العالمى الصادر عام 2015، يقول إن الشباب العربى تحت 18 سنة فى منطقتنا يشعر بالقلق والتوتر، أكثر مما يشعر به الشباب فى أى منطقة أخرى فى العالم!
وقالت أيضاً إن الموظف السعيد ينتج بمقدار الضعفين، وإن هذا ثابت علمياً، وإن تركيز مثل هذا الموظف فى عمله يصل إلى 80٪، وإن تركيز الموظف غير السعيد 40٪، وإن هذا يعنى ضياع 100 يوم عمل فى السنة الواحدة!
وعندما تولت الرومى موقعها الوزارى الفريد من نوعه، قبل شهرين تقريباً، بدا الموضوع بالنسبة لنا فى غاية الغرابة، وأظن أن كل واحد منا كان يطالع خبر تعيينها وزيرة للسعادة، وهو يضحك بينه وبين نفسه، ولسان حاله يقول، إن بيننا وبين فكرة كهذه شوطاً بعيداً، وأننا مشغولون بأشياء أخرى، وأن حكاية أن يكون المواطن سعيداً فى حياته، ليست فى قائمة أولوياتنا أصلاً!
والحقيقة أن وجود وزارة بهذا المسمى فى الإمارات، لأول مرة فيها، بل لأول مرة فى العالم، لابد أن يجعلنا نسأل أنفسنا: هل السعادة مرتبطة بالمال؟!.. وبمعنى آخر: هل الإنسان الغنى سعيد دائماً، وهل الإنسان الفقير تعيس دائماً فى المقابل؟!
تجربة الإمارات، لمن يتأملها، تقول بأن المال ليس كل شىء فى تحقيق السعادة، وليس أدل على ذلك، إلا أن عندنا أشخاصاً أكثر ثراءً من كثيرين فى دبى، أو فى غيرها من إمارات الدولة السبع هناك، ومع ذلك، فإنك حين تجلس إلى واحد منهم تشعر بأنه، رغم فلوسه الكثيرة، ليس سعيداً بالمرة.. وقد تكتشف أنه أتعس الناس!
ما الحكاية إذن؟!.. الحكاية، فى ظنى، أن السعادة تتحقق فى الجانب الأكبر منها، فى اللحظة التى يجد فيها المواطن، أن حياته ميسرة فى جزء كبير منها، وأن مستقبله آمن، وأن ما حوله يدعوه إلى الهدوء، لا إلى التوتر والعصبية، وأن جنيهاته التى فى جيبه، حتى ولو كانت قليلة، تلبى الحد الأدنى من احتياجاته، وأنها حتى وإن عجزت، كجنيهات قليلة عن تلبية احتياجاته الأساسية، فإن المناخ العام من حوله، يحقق له ما تعجز عنه جنيهاته القليلة.
إن المواطن فى بلدنا، سوف يكون سعيداً حقاً، عندما يخرج من بيته، فيمشى فى شارع أكثر نظافة، وأقل إزعاجاً، وعندما يذهب للتعامل مع جهاز الحكومة، فيجد أن الإجراءات أمامه سهلة ولا تعكنن عليه حياته، وعندما يتطلع حوله، فى أى لحظة، فيكتشف أن القانون مطاع، وأنه فوق رؤوس الجميع، وأنه لا يفرِّق بين واحد يملك فلوساً، وبين آخر لا يملكها، أو يملك منها القليل جداً.. وهكذا.. وهكذا.
هذه أشياء قلتها من قبل، وأعود لأقولها اليوم، وهى أشياء لابد أن ينتبه إليها الرئيس وهو يعمل فى المشروعات القومية الكبرى، ويركز عليها دون غيرها.. إنها مشروعات مهمة.. ولكن عائدها على الناس، فى عمومهم، لن يكون غداً، ولا بعد غد، ولا العام المقبل، ولا بعد عامين، ولا حتى ثلاثة.. وإذا أراد الرئيس سعادة لمواطنيه، فليلتفت إلى الأسباب التى من أجلها نشأت وزارة بهذا الاسم فى الإمارات، وليعمل عليها كأسباب، لأن هناك فرقاً بين أن تحكم شعباً من السعداء، فى غالبيته، وبين أن يكونوا تعساء!.. من حق المصرى أن يكون سعيداً فى يومه، دون أن يكون من الأثرياء!