بقلم عمرو الشوبكي
شاركت الأسبوع الماضى، وللعام الثالث على التوالى، فى المؤتمر السنوى الذى ينظمه «منتدى هلسنكى للسياسات»، بالتعاون مع أحد مراكز الأبحاث البريطانية (Forward thinking)، ووجدت نفسى للمرة الثالثة فى هذا البلد الصغير فنلندا، وعاصمتها الصغيرة أيضا هلسنكى، وهى المرة الأولى التى أزورها صيفا حيث كان الطقس مثاليا، وافتتح اللقاء وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف وبحضور ما يزيد على 20 خبيرا وسياسيا حاليا وسابقا من دول شرق أوسطية (ماعدا إسرائيل) ودول أوروبية، على رأسها فرنسا وبريطانيا وفنلندا، وعدد من سفراء الاتحاد الأوروبى.
وقد حضر من الجانب المصرى السفير محمد العرابى، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصرى، ود. عبدالمنعم أبوالفتوح، رئيس حزب مصر القوية، المرشح الرئاسى السابق، وكاتب هذه السطور.
وفنلندا بلد صغير يتجاوز عدد سكانه الـ5 ملايين نسمة بقليل، وعاصمتها يسكنها ما يقرب من مليون نسمة، وهى بكل المقاييس عاصمة صغيرة فى بلد متقدم و«شمالى جدا»، ولديه هواجس كثيرة من جيرانه الكبار، خاصة روسيا التى كانت فنلندا جزءا من إمبراطوريتها القيصرية فى يوم من الأيام.
وأقصى الشمال غير الشمال الذى وصفه الأديب السودانى الراحل فى روايته البديعة «موسم الهجرة إلى الشمال»، فأقصى الشمال هو البلاد الاسكندنافية الثلاثة (الدنمارك والسويد والنرويج) ومعها أيضا بلاد أخرى فى أقصى الشمال مثل فنلندا وأستونيا التى تذكرك بروايات وأفلام القطب الشمالى، حيث الصقيع القارس والضوء الخافت، والثلوج التى تغطى كل شىء وتجعل حركة البشر أقرب لمشاهد التصوير البطىء فى بعض الأفلام.
أنت فى بلد لا يرى الشمس فى الشتاء، فالليل سيد الموقف، ولا يغيب عنه النهار فى الصيف، لأنه يمتد 22 ساعة، وتندهش وتقول «سبحان الله» إذا وصلت هناك صيفا وستجد السماء مضيئة حتى العشاء، وحين يأتى الشتاء لا ترى «نور ربنا» إلا ساعات محدودة، وترتفع معه معدلات الانتحار فى هذا البلد الصغير.
«منتدى هلسنكى للسياسات» يفتتحه عادة وزير الخارجية الفنلندى، ولكن هذه المرة افتتحه وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف، الذى قدم مداخلة مهمة وذكية، ولعب بالجمل والألفاظ، وبحضور عوض البادى أحد كبار الخبراء السياسيين السعوديين فى مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وأحد المشاركين فيما عُرف بالمسار الثانى للمفاوضات بين السعودية وإيران.
والحقيقة أن ثقافة وزير الخارجية الإيرانى ومهاراته السياسية هائلة، ومدى التأثير الذى تركه فى الحضور الأوروبى كان كبيرا، حتى إن أحد الوزراء الأوروبيين السابقين وأحد الباحثين البريطانيين الشباب قالوا لى تقريبا نفس الجملة بمعانٍ متقاربة، وهى أنه «لا يوجد فى العالم الآن هذا المستوى من وزراء الخارجية»، قاصداً الوزير الإيرانى، وذكر لى أحدهم معلومة غير مؤكدة بأن جون كيرى بات يتصل بجواد ظريف أكثر من مرة فى الأسبوع للتشاور والنقاش فى قضايا العالم السياسية وليس فقط العلاقة مع إيران.
والحقيقة أن مداخلة الوزير الإيرانى تركزت على أربعة محاور رئيسية: الأول يتعلق بأهم الأسس التى تقوم عليها السياسة الخارجية الإيرانية، والثانى الروايات المختلفة لمسار العلاقات العربية- الإيرانية منذ الثورة الإيرانية، والثالث حول التعاون وبناء الثقة واستبعاد الإقصاء والحرب، لأن الأخيرة هى الجحيم، على حد وصفه، أما المحور الرابع والأخير فيتعلق بالعلاقة بين إيران وأمريكا.
وغداً إن شاء الله هو حديث المحاور.