بقلم - عمرو الشوبكي
شاركت مؤخرا فى مؤتمر فى بيروت حول مسارات الثورات العربية، وشارك فيه مثقفون من كثير من البلاد العربية سواء تلك التى عرفت ثورات شعبية «مصر وتونس»، أو تلك التى شهدت حروباً أهلية «سوريا»، أو تلك التى عرفت إصلاحات من داخل النظام «المغرب والأردن»، بالإضافة لحضور لبنانى كبير.
وقد لفت نظرى مداخلة الأستاذ صلاح الدين الجورشى، وهو أحد المثقفين التونسيين، والذى كان عضوا سابقا فى حركة النهضة «ذات الميول الإسلامية» واستقال منذ فترة طويلة «أى قبل الثورة التونسية»، ولديه رؤية نقدية لكل الأطراف السياسية التونسية.
وقد أشار الرجل فى مداخلته إلى أن تونس تعرف نظاما ديمقراطيا أو يتحول نحو الديمقراطية، وبها حرية رأى وتعبير، والسلطة فيها تتفاوض مع القوى السياسية والاحتجاجية المختلفة وتصل معهم لحلول وسط ولا تسجنهم أو تعتبر من الأعداء والمتآمرين، وأنها تؤسس لدولة علمانية ذهبت بعيدا مقارنة بكل البلاد العربية الأخرى حين ساوت مؤخرا فى الإرث بين الرجل والمرأة وألغت أحكام الشريعة الإسلامية فى هذا المجال.
وعلق أحد الحاضرين «من تونس» بأن بلاده عرفت العام الماضى 10 آلاف إضراب ووقفة احتجاجية وتظاهرة، وكأن هذا يعد إنجازا، فى حين رأى المحاضر العكس، فقد قال إنه رغم مساحة الحرية الواسعة التى يتمتع بها الشعب التونسى، فإن الوضع شديد الحساسية، وإن النظام السياسى لم ينجح فى حل مشكلة التنمية والبطالة، وإن الأزمة فى تونس أكبر من الحكم والمعارضة، أى من نداء تونس (التيار الحاكم) ومن حركة النهضة، ومن الجبهة الشعبية اليسارية، ومن القوى الثورية، فهى أزمة منظومة كاملة تضم السلطة والمجتمع، لم تستطع بعد وضع يدها على وصفة للتقدم، رغم نجاحها فى إحداث تقدم ديمقراطى، بل يمكن اعتبار تونس هى تجربة النجاح الوحيدة فى تجارب الثورات العربية التى لم تنتكس أو تتحول إلى خراب ودمار.
ولعل معضلة تونس مثل بلاد كثيرة حدث فيها تحول ديمقراطى، ولكنها لم تتقدم اقتصاديا، وظلت مؤسساتها تعانى من أزمات كثيرة، صحيح أن الدول الاستبدادية فشلت فى الاثنين، أى الإصلاح السياسى والتقدم الاقتصادى، إلا أن هذا لا يعنى كما يتصور البعض أن الديمقراطية تمتلك بمفردها عصا سحرية لتقدم الدول.
إن تجارب التحول الديمقراطى فى أمريكا الجنوبية وأوروبا الشرقية وبعض دول آسيا وأفريقيا لم تحقق جميعها نفس التقدم، وبعضها فشل اقتصاديا وتعثر سياسيا، رغم أنها حافظت على إجراءات الديمقراطية من احترام لنتائج صندوق الانتخابات وتداول السلطة، إلا أن بعضها أسس لدول شبه فاشلة تعانى من مشاكل الفقر والجريمة والتخلف، ولكنها حافظت على الشكل الديمقراطى.
يقيناً، التجربة التونسية ليست تجربة فاشلة، وهى تمتلك مقومات النجاح إذا وعى أطراف الساحة التونسية أن الاحتجاج بمفرده لا يبنى وطنا، وإن البعض فى تونس ذكّرنى بأداء المدرسة الثورية فى مصر عقب ثورة يناير حين كانت لا ترى إلا الحصول على حق الاحتجاج والرفض، فى حين أنها لم تنجح فى بناء بديل حزبى ولا تقديم سياسات بديلة، وكأن المطلوب فقط هو ضمان حق الرفض والاحتجاج وليس الإنجاز والتقدم، وتلك أزمة بلاد كثيرة نجحت فى تحقيق انتقال ديمقراطى وفشلت فى تحقيق التقدم
نقلا عن المصري اليوم القاهرية