بقلم - عمرو الشوبكي
عملية السابع من أكتوبر التى قامت بها حماس واستهدفت مستوطنين وعسكريين ومدنيين إسرائيليين فتحت باب النقاش حول ما إذا كانت نتاج سياسات الاحتلال من قمع وقهر وظلم، كما يرى كثير من المحللين وقادة العالم، وبين من قالوا إنها نتيجة العنف المتأصل فى المفاهيم الإسلامية ولدى الشعب الفلسطينى كما قال الإسرائيليون وحلفاؤهم.
وقد أعيد فتح النقاش حول قضية التطرف والعنف وهل يرجع إلى النص الدينى أو، بمعنى أدق، التفسيرات المنحرفة للنص الدينى أم السياق الاجتماعى والسياسى المحيط؟، وأن كثيرا من المثقفين العرب الذين حملوا المفاهيم الدينية الخاطئة مسؤولية العنف عادوا وراجعوا موقفهم فيما يتعلق بالموقف من حماس، واعتبروا أن العنف الذى تمارسه رد فعل مقاوم ومشروع على جرائم الاحتلال، حتى لو اختلفوا مع توجهات الحركة العقائدية والسياسية.
بالمقابل سنجد أن كثيرا من الكتابات الإسرائيلية وبعض الكتابات الغربية عادت بقوة عقب عملية ٧ أكتوبر إلى «التفسير النصى» للعنف، أى إرجاع الأمر لأسباب بنيوية فى العقيدة الدينية أو الثقافة الفلسطينية حتى تنفى مسؤولية الاحتلال عن جعل العنف وحمل السلاح خيارا وحيدا أمام قطاعات واسعة من الشعب الفلسطينى حتى لو كان غير مضمون النجاح.
والواقع أن نقاش النص الدينى أو السياق الاجتماعى والسياسى كمسؤول أساسى (وليس وحيدا) عن العنف هو نقاش ارتبط فى الحقيقة بسجال للهروب من تحمل المسؤولية، فأصحاب نظرية أن المسؤولية تقع على النص الدينى أو التفسيرات الدينية المنحرفة يدفعون من أجل تحويل قضية العنف والتشدد إلى قضية دينية تخص المؤسسات الدينية وتخرج المؤسسات السياسية من الموضوع.
صحيح لا يمكن إغفال أهمية الإصلاح الدينى لمواجهة التطرف والعنف إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل أن الإصلاح الدينى لم يستكمل ولم ينجح إلا بعد أن عرفت المجتمعات، خاصة فى أوروبا إصلاحات سياسية وبنت دولة قانون مدنية حديثة فصلت فيها الدينى عن الزمنى، وجعلت الإيمان الدينى قضية شخصية بين الإنسان وربه، والكنيسة مكان آمن للعبادة لها أدوار ثقافية ورمزية، واختفت هيمنتها السياسية على النظم القائمة عقب استقرار الدولة المدنية الحديثة.
لم تكن قضية الإصلاح الدينى قضية المؤسسات الدينية فقط، ولم تكن قضية مواجهة العنف تخص أساسا الخطاب الدينى والمؤسسات الدينية، إنما هى بالأساس قضية إصلاح سياسى وتقدم اقتصادى وتنمية ثقافية وتعليمية مسؤول عنها النظم الحاكمة.
موقف منظومة الحكم الإسرائيلية المتطرفة من العنف الفلسطينى يركز على جوانب يقول عنها «متأصلة» فى الشعب الفلسطينى ولا يتردد بعضهم فى القول صراحة إنها بسبب الإسلام وهو كلام بعيد عن العلم والمنطق، لكنه يضمن أن يبعد النقاش عن مسؤولية السياق السياسى والاجتماعى المحيط الذى صنعته دولة الاحتلال وجعلت العنف والمقاومة المسلحة خيارا وحيدا أمام كثير من الفلسطينيين.