بقلم عمرو الشوبكي
لم أستخدم تعبير الشباب الوطنى أو الطاهر عقب ثورة يناير، حين كان البعض يجامل بعض شباب الثورة متصورا أنهم جماعة الحكم الجديدة، واعتبرت نفسى مع آخرين أن الثورة انتهى دورها الاحتجاجى فى 11 فبراير بتنحى مبارك، وأن المطلوب هو بناء بديل سياسى إصلاحى من داخل النظام وخارجه قادر على نقل البلاد للإمام والبدء فى عملية تحول ديمقراطى.
وقد عارضت كل ما سمى الفعاليات الثورية بعد الثورة، ولم أخضع لابتزاز جماعات المراهقة الثورية التى كانت أحد أهم المتآمرين على ثورة يناير، ورفضت فى برلمان 2011 العزل السياسى والمحاكمات الثورية وغيرهما من مفردات الثورات الشيوعية المنقرضة، والنظريات الفوضوية التى جلبها البعض من متاحف التاريخ، والتى لو تبناها أى نظام عقب ثورة يناير لكان أول ضحاياها هم هؤلاء الشباب.
ومع ذلك، فإنى هذه المرة أتضامن سياسيا وأخلاقيا وبشكل كامل مع الشباب الذى تظاهر فى 25 إبريل، رغم أنى لم أدعُ إلى التظاهر (مثلما فعل البعض وتركهم فى العراء) وأشعر بالعجز وقلة الحيلة أمام صرخات مئات الأسر، الذين فوجئوا بسجن فلذات أكبادهم، لأنهم كانوا وطنيين وقالوا إن تيران وصنافير مصريتان، أو أنهم مروا مصادفة بالقرب من أماكن التظاهر، فكان مصيرهم أيضا الاعتقال.
صحيح يمكن القول إن مشاكل مصر الحالية لن تحل بالتظاهر، وإن أزماتها ستتفاقم، ليس بسبب مظاهرات الشباب ولا معارضة قلة من السياسيين والكتاب، وإنما لأسباب متعلقة أساسا بأداء الحكم ومشكلات من داخل النظام وليس من خارجه.
والغريب أن الاحتجاجات والتظاهرات عرفتها مصر فى كل عهودها الجمهورية، وشهد عصر مبارك مئات التظاهرات والوقفات الاحتجاجية لمختلف الفئات الاجتماعية، ولم يسجن فيها أحد مثلما حدث مؤخرا مع شباب وطنى رفع علم بلاده ودافع عن حق مصر فى الجزيرتين، فى حين أن المؤيدين الذين حملوا علم السعودية (الشقيقة) وأعلن بعضهم أنهم على استعداد لإعطائها الهرم وأبوالهول و«أم الهول»، تقديرا لدعم خادم الحرمين لمصر، تركهم الأمن يجوبون شوارع القاهرة، ويقفون على سلالم نقابة الصحفيين دون أن يحاسبهم أحد بكلمة.
نعم.. خالف هؤلاء الشباب مثل المؤيدين (الذين لم ولن يحاسبهم أحد) قانون التظاهر المعيب (لابد من تعديل بعض مواده فورا)، ولكنهم يقينا تظاهروا من أجل قناعتهم بأن هذه الأرض هى أرضهم، وأنهم فى هذه السن المبكرة، ورغم تأثر كثير منهم بقيم العولمة وثقافة العالم الواحد وثورة الاتصالات اختاروا أن يكونوا محليين ووطنيين حتى النخاع ويدافعوا عن حق بلدهم فى هذه الأرض، ويرددوا ما قاله أجدادهم بأن الأرض هى العرض.
قد يكون بعضهم معارضا وأخذ موضوع الجزيرتين ذريعة لنقد النظام (وهو أمر وارد فى السياسة أن تستغل المعارضة أخطاء من فى الحكم)، إلا أن الغالبية العظمى من هؤلاء حركتهم فطرتهم الوطنية الخالصة التى أخرجها سوء إدارة الحكم لملف الجزيرتين.
أن يسجن عامين 50 شابا و5 سنوات لمائة وواحد آخرين (نأمل خيرا فى الاستئناف)، بسبب مظاهرة، أمر لم يحدث فى عهد عبدالناصر ولا السادات ولا مبارك، وهم فى الواقع دافعوا بوطنية ونبل عما تصوروه حقا لبلادهم، وتظاهروا بشكل سلمى، ولم يقتلوا ولم يخربوا مثلما يفعل غيرهم.
شباب مصر هو أملها، وهذا الشباب تظاهر لدوافع وطنية خالصة فشتمناه وخونّاه وسجناه، وإن الضغط بهذه الطريقة على شريحة مجتمعية ليست بالقليلة سيولد انفجارات كثيرة نحن فى غنى عنها.
تحية لهؤلاء الشباب ولأهلهم وذويهم. وفك الله أسرهم قريبا: «ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون».