عمرو الشوبكي
قد تكون مصر هى البلد الوحيد فى العالم الذى تجد فيه المحال التجارية تسهر حتى الساعة الثالثة صباحا، ومصر بالتأكيد هى البلد الوحيد فى العالم الذى تجد فيه «وسط البلد» محاله ومتاجره ساهرة دون أى مواعيد من أى نوع ودون أى رقيب أو حسيب، والغريب أننا كنا قبل انتشار ثقافة عهد مبارك فى الفوضى والتسيب، نعرف محال تغلق فى مواعيد تختلف ساعة بين الصيف والشتاء، وتزيد ساعة يوم الخميس مثلنا مثل كل البلاد الطبيعية.
قرار رئيس الوزراء كان متوقعا أن يتراجع عنه بعد أن أصبح التسيب وغياب القانون مصدر رزق الكثيرين، فسائقو الميكروباص يتظاهرون من أجل إلغاء المخالفات نظرا لصعوبة الحالة الاقتصادية، وأصحاب المحال هددوا الحكومة بـ«ثورة ثانية» إذا أصرت على قرار تحديد مواعيد الإغلاق.
ولا أحد ينكر صعوبة الأوضاع الاقتصادية، ولكن لا أحد ينكر أيضا أن هذه الأوضاع الاقتصادية لن تتحسن إلا بإحداث قطيعة مع دولة المواءمات التى سادت فى عهد مبارك ومستمرة معنا حتى الآن لصالح بناء دولة القانون والعدالة.
والحقيقة أن أهم قرار كان سيتخذه الحكم الحالى، وفشل فيه كما هو متوقع، كان تطبيق قانون يفرض على أصحاب المحال التجارية أن تغلق فى العاشرة مساء، ولا بأس أن تبقى حتى الحادية عشرة أو حتى منتصف الليل يوم الخميس والجمعة.
أما الحجج الصغيرة من نوع أن حركة التجارة راكدة ويجب أن تبقى المحال مفتوحة حتى الفجر، فهذه جريمة حقيقية لا مثيل لها فى الدنيا، لأن نفس هذه المحال نتيجة «سهر الليالى» تفتح أبوابها فى الظهر وهو منطق فى غاية الغرابة من الناحية الاقتصادية فبدلا من أن تغلق فى العاشرة وتفتح فى التاسعة صباحا وتعمل فى «نور ربنا» اختارت أن تحمّل خزينة الدولة مزيداً من الأعباء الاقتصادية باستهلاك زائد فى الكهرباء رغم الأزمة التى تعانى منها البلاد فى مجال الطاقة.
أما جانب العلاقات الاجتماعية والأسرية فى بلد يتشدق كل يوم بالشريعة وتتصارع فيه أحزابه الإسلامية من أجل السلطة وتمكين الدين، فنسيت أن بقاء آباء وشباب كل هذا الوقت فى أماكن عملهم تحت حجة «أكل العيش»، كان نتيجته تفكك آلاف الأسر، فكم من رب عائلة فقد السيطرة على أبنائه وبناته بسبب هذا الانفلات فى مواعيد العمل.
إن الحكومة الحالية أضعف من أن تتخذ قراراً جاداً ووحيداً لتطبيق قانون ومبدأ سيخدم الشعب على المديين المتوسط أو الطويل، وإن تراجعها عن قرار تحديد موعد لإغلاق المحال التجارية كان متوقعاً تماما مثلما تراجع «مبارك» عن قرار عدم سير المقطورات وضحى بأرواح الناس على الطرق السريعة لصالح مواءماته مع أصحاب المصالح والصوت العالى.
كان يمكن أن تؤسس الحكومة لخطوة جديدة تبرر فيها للناس أسباب هذا القرار، وتقوم بحمله إعلامية واسعة تقنع فيها الناس بأهمية تحديد موعد لإغلاق المحال التجارية، لكنها لم تفعل واكتفت بالقرارات الفوقية التى لا تسمن ولا تغنى من جوع، فأصبحت فى مرمى النيران الصديقة وغير الصديقة، وأُجبرت على التراجع عن أول قرار صحيح وجرىء اتخذته.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"