توقيت القاهرة المحلي 06:27:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«عم ليونيل»

  مصر اليوم -

«عم ليونيل»

عمرو الشوبكي

هذا الرجل قابلته فى فرنسا منذ ما يقرب من 20 عاما حين كنت أدرس فى باريس، وكان مناضلاً قديماً دهشت لكرمه وحديث الذكريات الذى لا يتوقف، بعد أن عرفنى به أحد الأصدقاء اليساريين التوانسة فى أحد المقاهى الأربعة الموجودة فى ساحة جامعة السوربون فى مواجهة نافورة المياه الشهيرة بالحى اللاتينى. تحدث الرجل عن الأممية الشيوعية وعن لينين وتروتسكى والمجرم ـ «Criminel» ـ ستالين، وعاد مرة أخرى ودافع عن دوره فى دحر النازية وبناء قاعدة صناعة قوية فى الاتحاد السوفيتى والحفاظ على راية الشيوعية، رغم أخطائه أو جرائمه. كنا فى منتصف التسعينيات حين قابلته وكنت فى أوائل الثلاثينيات وهو فى أوائل الخمسينيات، بعد أن تم تسريحه من إحدى مؤسسات البناء «البرجوازية» التى كان يعمل بها، وظللنا نلتقى على فترات متباعدة فى أوقات الفراغ والثرثرة فى مقهى هنا أو هناك، وكثيرا ما كان ينضم لنا بعض الدارسين العرب أو الأجانب، خاصة من أمريكا اللاتينية، واضطر عندها إلى الاستماع لجرعة من النضال الشيوعى الثورى، وأحيانا المسلح، وأنا الذى تقف حدود يساريتى عند إصلاحات عبدالناصر الاجتماعية وأمثاله من الاشتراكيين والمصلحين الاجتماعيين. كان الرجل من قيادات ثورة 68 الطلابية فى فرنسا وكان «رفيق» ليونيل جوسبان، رئيس وزراء فرنسا السابق، الذى اتهمه بخيانة الثورة والاشتراكية، وكانت إحدى عقده الرئيسية أن اسمه هو نفس اسم زعيم الحزب الاشتراكى الذى لا تعجبه اشتراكيته بالطبع، رئيس الوزراء السابق «ليونيل»، كان الأول لا يعرفه أحد، وكان الثانى ملء السمع والبصر، وكان الأول مع مجموعات أخرى ممن اعتبروا أنهم حافظوا على نقائهم الثورى، بقوا فى أماكنهم بلا عمل ثابت ولا مشروع سياسى يمثل بديلاً حقيقياً لسياسات النظام القائم، إنما فقط أصوات دائمة للرفض والاحتجاج، فى حين أن الثانى مع كثيرين مثله تفاعلوا مع النظام القائم، فغيروا وتغيروا عن طريق مشاركتهم فى أحزاب إصلاحية ذات توجه اشتراكى ديمقراطى. الغالبية العظمى من قيادات ثورة 68 أصبحوا قيادات أحزاب اشتراكية ديمقراطية أو انضموا لأحزاب الخضر وبعضهم انضم إلى أحزاب ليبرالية، أما نموذج «عم ليونيل» فقد حافظ على ما اعتبره نقاءه الثورى، ولم يكن يكره أحداً مثل رئيس الوزراء الذى يحمل نفس اسمه ولم يكن يتوقع للحظة أن يخون الثورة، إلى أن اكتشف أن كل رفاقه الذين كان يعرفهم فى ثورة 68 قد «خانوا» الثورة بهذا المعنى، لأنهم تحولوا وتغيروا وأصبحوا سياسيين داخل أحزاب وحركات سياسية إصلاحية وصلت للسلطة بصندوق الانتخابات وغيرت فى أشياء وتغيرت هى فى أشياء أخرى، وفى هذه الرحلة ـ التفاعل بين الثوريين والمنظومة القائمة ـ تجدد المجتمعات دماءها، لأن الثوار يغيرون فى هذه المنظومة ولا يسقطونها كما يتصورون فى البداية، كما أن المنظومة القائمة تغير فيهم أيضا. «68» لم تسقط النظام القائم، إنما كان تأثيرها الثقافى والاجتماعى والسياسى على المجتمع الفرنسى كبيرا وهائلا، أما نحن فالبعض يتصور أن القضية الوحيدة هى إسقاط مبارك وليس منظومته، فالأول سقط وسط هتافات الكثيرين، لكن منظومته لم تتغير كثيرا. مات «عم ليونيل»، بدايات هذا العام، وحيدا بلا عمل ولا أسرة ولا أبناء، وقد تكون مشكلته كما قلت له فى آخر لقاء منذ 10 سنوات أنه ظل يرى أن هناك ثورة دائمة، ولم ير أن فرنسا تغيرت بعد الثورة رغم بقاء الجنرال ديجول فترة واستمرار حكم اليمين الذى ثار عليه حتى عام 1981، تاريخ وصول الحزب الاشتراكى الإصلاحى للحكم، وليس من تبقى من رفاق «عم ليونيل». نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«عم ليونيل» «عم ليونيل»



GMT 06:27 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

شتّان ما بين الاعتذارين

GMT 06:25 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

إسماعيل ياسين وناصر وملك المغرب!!

GMT 06:23 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأمريكية!

GMT 06:21 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

هل توجد وطنيةٌ أمريكية؟

GMT 06:19 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأمريكية

GMT 06:18 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تحف الأضرحة

GMT 14:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

لا فرصة للعرموطي برئاسة مجلس النواب

GMT 14:02 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف نتحقق من الادعاءات؟

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 05:30 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات
  مصر اليوم - لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon