توقيت القاهرة المحلي 20:43:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«عم ليونيل»

  مصر اليوم -

«عم ليونيل»

عمرو الشوبكي

هذا الرجل قابلته فى فرنسا منذ ما يقرب من 20 عاما حين كنت أدرس فى باريس، وكان مناضلاً قديماً دهشت لكرمه وحديث الذكريات الذى لا يتوقف، بعد أن عرفنى به أحد الأصدقاء اليساريين التوانسة فى أحد المقاهى الأربعة الموجودة فى ساحة جامعة السوربون فى مواجهة نافورة المياه الشهيرة بالحى اللاتينى. تحدث الرجل عن الأممية الشيوعية وعن لينين وتروتسكى والمجرم ـ «Criminel» ـ ستالين، وعاد مرة أخرى ودافع عن دوره فى دحر النازية وبناء قاعدة صناعة قوية فى الاتحاد السوفيتى والحفاظ على راية الشيوعية، رغم أخطائه أو جرائمه. كنا فى منتصف التسعينيات حين قابلته وكنت فى أوائل الثلاثينيات وهو فى أوائل الخمسينيات، بعد أن تم تسريحه من إحدى مؤسسات البناء «البرجوازية» التى كان يعمل بها، وظللنا نلتقى على فترات متباعدة فى أوقات الفراغ والثرثرة فى مقهى هنا أو هناك، وكثيرا ما كان ينضم لنا بعض الدارسين العرب أو الأجانب، خاصة من أمريكا اللاتينية، واضطر عندها إلى الاستماع لجرعة من النضال الشيوعى الثورى، وأحيانا المسلح، وأنا الذى تقف حدود يساريتى عند إصلاحات عبدالناصر الاجتماعية وأمثاله من الاشتراكيين والمصلحين الاجتماعيين. كان الرجل من قيادات ثورة 68 الطلابية فى فرنسا وكان «رفيق» ليونيل جوسبان، رئيس وزراء فرنسا السابق، الذى اتهمه بخيانة الثورة والاشتراكية، وكانت إحدى عقده الرئيسية أن اسمه هو نفس اسم زعيم الحزب الاشتراكى الذى لا تعجبه اشتراكيته بالطبع، رئيس الوزراء السابق «ليونيل»، كان الأول لا يعرفه أحد، وكان الثانى ملء السمع والبصر، وكان الأول مع مجموعات أخرى ممن اعتبروا أنهم حافظوا على نقائهم الثورى، بقوا فى أماكنهم بلا عمل ثابت ولا مشروع سياسى يمثل بديلاً حقيقياً لسياسات النظام القائم، إنما فقط أصوات دائمة للرفض والاحتجاج، فى حين أن الثانى مع كثيرين مثله تفاعلوا مع النظام القائم، فغيروا وتغيروا عن طريق مشاركتهم فى أحزاب إصلاحية ذات توجه اشتراكى ديمقراطى. الغالبية العظمى من قيادات ثورة 68 أصبحوا قيادات أحزاب اشتراكية ديمقراطية أو انضموا لأحزاب الخضر وبعضهم انضم إلى أحزاب ليبرالية، أما نموذج «عم ليونيل» فقد حافظ على ما اعتبره نقاءه الثورى، ولم يكن يكره أحداً مثل رئيس الوزراء الذى يحمل نفس اسمه ولم يكن يتوقع للحظة أن يخون الثورة، إلى أن اكتشف أن كل رفاقه الذين كان يعرفهم فى ثورة 68 قد «خانوا» الثورة بهذا المعنى، لأنهم تحولوا وتغيروا وأصبحوا سياسيين داخل أحزاب وحركات سياسية إصلاحية وصلت للسلطة بصندوق الانتخابات وغيرت فى أشياء وتغيرت هى فى أشياء أخرى، وفى هذه الرحلة ـ التفاعل بين الثوريين والمنظومة القائمة ـ تجدد المجتمعات دماءها، لأن الثوار يغيرون فى هذه المنظومة ولا يسقطونها كما يتصورون فى البداية، كما أن المنظومة القائمة تغير فيهم أيضا. «68» لم تسقط النظام القائم، إنما كان تأثيرها الثقافى والاجتماعى والسياسى على المجتمع الفرنسى كبيرا وهائلا، أما نحن فالبعض يتصور أن القضية الوحيدة هى إسقاط مبارك وليس منظومته، فالأول سقط وسط هتافات الكثيرين، لكن منظومته لم تتغير كثيرا. مات «عم ليونيل»، بدايات هذا العام، وحيدا بلا عمل ولا أسرة ولا أبناء، وقد تكون مشكلته كما قلت له فى آخر لقاء منذ 10 سنوات أنه ظل يرى أن هناك ثورة دائمة، ولم ير أن فرنسا تغيرت بعد الثورة رغم بقاء الجنرال ديجول فترة واستمرار حكم اليمين الذى ثار عليه حتى عام 1981، تاريخ وصول الحزب الاشتراكى الإصلاحى للحكم، وليس من تبقى من رفاق «عم ليونيل». نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«عم ليونيل» «عم ليونيل»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 19:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والثنائيات الحرجة

GMT 19:06 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عن الصراع المتصاعد والمعنى الفلسفي

GMT 14:05 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

سؤال المرحلة... أي مستقبل للمشروع الإيراني؟

GMT 14:02 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حكومة “لا فَتَّتْ ولا غَمَّست” فلِمَ التعديل!

GMT 13:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لحظات حرجة فى حياتى

GMT 13:58 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

كيف نحمى المقدرات المصرية؟

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
  مصر اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:56 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
  مصر اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 23:18 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

علاج جيني جديد لفشل القلب يحقق نتائج مبهرة خلال التجارب

GMT 06:24 2024 السبت ,07 كانون الأول / ديسمبر

تقنيات عديدة يمكن استخدامها للدخول في النوم سريعًا

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:03 2019 الإثنين ,05 آب / أغسطس

ازمة في الاتحاد السكندري بسبب مواعيد الكأس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon