توقيت القاهرة المحلي 06:25:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عامان على الثورة: هل تغيّرنا؟

  مصر اليوم -

عامان على الثورة هل تغيّرنا

عمرو الشوبكي

يمكن اعتبار الثورة المصرية نقطة تحول كبرى فى تاريخ مصر الحديث، فلأول مرة يُسقط الشعب حاكماً مستبداً عن طريق انتفاضة جماهيرية بعد أن اعتاد الناس أن التغيير يأتى من أعلى ومن داخل مؤسسات الدولة وعبر رموزها وقادتها، كما جرى فى ثورة يوليو حين تحرك ضباط الجيش الأحرار بقيادة عبدالناصر وقاموا بالثورة وقضوا على الملكية وأسسوا جمهوريتنا الأولى. والحقيقة أن الطاقة التى فجرتها الجماهير المصرية طوال 18 يوما وإصرارها على ضرورة تنحى مبارك ومطالبتها بالتغيير كانت مسار فخر وإعجاب العالم كله، ومثلت أهم رسالة قيمية وسياسية عرفها الشعب المصرى منذ عقود، وفتحت الباب أمام نمط جديد للعلاقة بين الحاكم والمحكومين. إن هذا الشعب الذى خرج فى مظاهرات مليونية تطالب برحيل الرئيس عرف بفطرة تستحق الدهشة الفارق بين إسقاط النظام وإسقاط الدولة، فناضل من أجل إسقاط الأول وتمسك ببقاء الثانية. إن هذا الموقف الذى حمله الشعب حين هتف بتلقائية: «الجيش والشعب إيد واحدة» تميز بانحياز فطرى إلى نماذج النجاح التى عرفها العالم فى الـ40 عاما الأخيرة من أوروبا الشرقية إلى أمريكا الجنوبية، ومن إسبانيا والبرتغال إلى تركيا وماليزيا وغيرها فى أفريقيا وآسيا، وهى تجارب قامت على إفشال قدرة النظام القديم على الاستمرار فى الحكم ومحاكمة رموزه الفاسدة والمتهمة بارتكاب جرائم ضد المواطنين، ولكنها لم تقم بانتقام عشوائى ضد كل من عمل مع النظام السابق، كما أنها لم تهدم مؤسسات الدولة، وإنما قامت بإصلاحها بشكل تدريجى وجراحى. صحيح أنه لولا انحياز الدولة للثورة وتخلى الجيش عن مبارك لكان من الصعب على الثورة أن تنجح، خاصة بعد أن أغلق مبارك بالتجريف الذى أحدثه فرص وجود أى بدائل إصلاحية من داخل نظامه أو من قلب مؤسسات الدولة، فجاء البديل الإخوانى صحيح من خارج الدولة والنظام القديم، إلا أنه بدا فى أعين الكثيرين لا يختلف عنه كثيرا، بل بدا أكثر رغبة فى الاستحواذ والهيمنة وأكثر رجعية ومحافظة من مؤسسات الدولة القديمة رغم كل مثالبها. قد تكون معضلة الثورة المصرية هى هذا الفارق بين شعارات الشباب الذين أشعلوها وبين الواقع المعاش، فالشعارات كانت كلها فى مواجهة النظامين القديم والجديد وفق نظرية «يسقط» الشهيرة - يسقط حسنى مبارك.. يسقط حكم العسكر.. تسقط الداخلية.. يسقط القضاء.. يسقط حكم المرشد.. تسقط قيادات حزب الدستور.. تسقط النخبة.. يسقط البرلمان.. تسقط الحكومة والرئيس... إلخ - دون تقديم بديل سياسى أو تنظيمى يذكر خارج ثقافة الاحتجاج. فما بين ثورية الوضع على المواقع الإلكترونية وإصلاحية ومحدودية الثمن الذى دفعه الثوار والثورة فى مقابل سقوط مبارك، تصور البعض أن نظرية «يسقط» صالحة فى كل زمان ومكان، وبدا البعض عاجزا عن الخروج من ثقافة إسقاط الرئيس والمدير والمسؤول فى أى موقع إدارى أو سياسى، على اعتبار أن ذلك جزء من أهداف الثورة سواء تحت حجة تطهير المؤسسات باستبعاد الفلول وجلب الإخوان، أو الإقصاء لصالح الفراغ والفوضى وكسر إرادة الدولة وحصار الأقسام والوزارات، باعتباره هدفاً وغاية. والحقيقة أن مصر كانت مهيأة لأن تنجز أهم عملية تحول ديمقراطى فى العالم العربى بعد خلع مبارك فى 11 فبراير، لولا أخطاء المجلس العسكرى الجسيمة والأداء المرتبك والضعيف لقادته، ومعه أخطاء القوى المدنية والائتلافات الثورية التى استمرت فى معركتها مع الدولة لتفكيك كل ما يقابلها من دستور 71 - الذى كان أفضل فى معظم مواده من الدستور الحالى - وإهانة الجيش والقضاء والشرطة لصالح الفراغ الذى ملأه الإخوان بعد فترة كمون استمرت أكثر من عام مكنتهم من الوصول للسلطة وإقصاء الجميع. فلولا معركة الإخوان مع «الدولة العميقة» التى صمدت رغم ضعفها فى مواجهة محاولات الإخوان للسيطرة عليها لكانوا سيطروا على حكم مصر عقودا طويلة، فمعركتهم مع الشارع ومعارضيهم كانوا سيحسمونها لصالحهم فى حال دعم الدولة وانحيازها لهم، لأن معهم أيضا ظهيراً مجتمعياً وشعبياً قوياً يدعمهم، أمام مقاومة الدولة لهيمنتهم، وإصرار القضاء والشرطة والجيش والخارجية على الانحياز - ولو النسبى - لتقاليدهم المهنية التى حاول مبارك أن يغيبها، والإخوان أن يقضوا عليها. على شباب الثورة أن ينظروا إلى الثورة باعتبارها وسيلة لتحقيق هدف، هو بناء مصر العدالة والديمقراطية، ولا يعتبرونها هدفاً فى حد ذاتها، فيبقون فى أحلامهم الوردية ويتركون الإخوان يعملون بجد بين الناس حتى يصلوا للسلطة. لا يستطيع البعض أن ينكر أن إحساس الأجيال بالثورة يختلف من جيل لآخر، فمن حق الجيل الشاب الذى أشعلها أن يراها النقطة الوحيدة المضيئة فى حياته، فتجد كثيراً من الشباب يتحدث عن أيام التحرير وعن نقاء الثورة وعن دوره المؤكد فى التحريض والنضال من أجل قيامها، ويقسم الناس بين من صنعوا الثورة ومن شاركوا فيها، حتى يظل فى مرتبة أعلى من الآخرين، والحقيقة أن كل هذا مفهوم وربما مشروع أيضا، ولكن مع الوقت ما لم تضف إليه شرعية جدية غير «صناعة الثورة» فإنه سيطويه النسيان، وسيتحول الأمر إلى ذكرى يرددها البعض فى المقاهى والوقفات الاحتجاجية. فالمطلوب هو الانطلاق من قيم ومبادئ الثورة لبناء مشروع سياسى جديد ومؤسسة سياسية عملاقة، لديها قواعد تطبق على الجميع ولا تسمح باسم الثورية بالاعتصام داخل الأحزاب، ولا إهانة من كان لهم الفضل فى أن يجسدوا قيم الثورة، والمزايدة على الجميع، لأن مسطرة القياس طالما وضعت فى الاتجاه الخاطئ فستبدأ بإقصاء «الكبار الرجعيين» وستنتهى بإقصاء الرفاق من الشباب، لأنهم غير ثوريين، وهكذا إلى ما لا نهاية. على البعض أن يخرج من وهم أن هناك شيئاً اسمه «مجتمع ثورى»، فبعد تطهير البلاد من كل رموز النظام السابق ومن الفلول وبعد إعدام مبارك وفرقته، وإبدال حكم الإخوان بثوار حقيقيين، فإنه سيولد المجتمع الثورى الخالى من العيوب والشوائب. والحقيقة أن المجتمع الثورى والمثالى لم يوجد فى أى تجربة إنسانية، رغم وجود الأفكار الثورية والإصلاحية على السواء. إن رحلة البحث عن مجتمع ثورى تصنعه أيديولوجية معينة لا وجود له على أرض الواقع ولا تدعمها خبرة إنسانية واحدة، فكل التجارب الإنسانية التى حاولت أن تهندس المجتمع والناس، وفق عقيدة سياسية دينية أو ثورية أو اشتراكية أو علمانية، فشلت فشلا ذريعا، وكل تجربة حاولت أن تستلهم من هذه العقيدة قيماً وأفكاراً تقدمها للناس ليختاروا منها ما يشاءون عبر دولة قانون «لا دولة ثورية» ونظام سياسى ديمقراطى هى التى نجحت، ونحن نرغب فى أن نكون بين تجارب النجاح وليس الفشل. عامان على الثورة لم نتغير كثيرا، لكن قيم الثورة ستظل حاضرة فى النفوس وقادرة على ألا تكتفى بهدم النظم، وإنما بناء جديد يحمل العدالة والديمقراطية والمساواة للشعب المصرى. نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عامان على الثورة هل تغيّرنا عامان على الثورة هل تغيّرنا



GMT 06:25 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

إسماعيل ياسين وناصر وملك المغرب!!

GMT 06:23 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأمريكية!

GMT 06:21 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

هل توجد وطنيةٌ أمريكية؟

GMT 06:19 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأمريكية

GMT 06:18 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تحف الأضرحة

GMT 14:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

لا فرصة للعرموطي برئاسة مجلس النواب

GMT 14:02 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف نتحقق من الادعاءات؟

GMT 14:00 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بلفور وما بعده.. سيناء ومستقبلها!

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 05:30 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات
  مصر اليوم - لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon