عمرو الشوبكي
لماذا سيفشل الحوار الوطنى؟ ولماذا فشلت كل مبادرات الرئيس؟ ولماذا القادم أسوأ؟ لأن الأساس الذى بنى عليه المسار السياسى كان معوجاً، وكل طابق سيبنى فوق هذا الأساس سيمتلئ بالتشققات التى لا يصلح فيها ترميم ولا تجميل، وسينهار على رؤوسنا فى يوم من الأيام.
الخسارة ستكون أفدح إذا تركنا أنفسنا نبنى طابقين أو ثلاثة أو عشرة لأن المبنى سينهار فى يوم من الأيام، وأفضل لنا أن نعيد بناءه ونحن الآن فى الطابق الأول بدلا من المكابرة والاستمرار.
الحوار مع الرئيس من عدمه ليس هو جوهر المشكلة، فمن رفضوا الذهاب لـ«الحوار الشكلى» من أعضاء جبهة الإنقاذ سيخسرون جزءا من الشارع، ومن قرر المشاركة فى الحوار مثل حزب مصر القوية سيخسر أيضا جزءاً من الشارع، ويبقى الموضوع أعمق من قضية الحوار.
المعنى الجلى فى مبادرة د. أبوالفتوح، التى لم يؤخذ بها، أنها وضعت بجرأة اسم «خيرت الشاطر» الذى لا يحتل موقعاً رسمياً داخل الدولة، ولا هو رئيس حزب من بين المدعوين للحوار: البرادعى وصباحى والكتاتنى والرئيس، وهو ما أكدته بصورة أو بأخرى جبهة الإنقاذ حين طالبت بتقنين وضع جماعة الإخوان المسلمين التى تحكم من وراء الستار، وهو أمر شعر به قطاع واسع من الشعب المصرى بفطرته واعتبر أن الرئيس هو «رئيس لكل الجماعة» وليس لكل المصريين.
معضلة الوضع الحالى ليست فقط فى الفشل الاقتصادى والسياسى وسوء الإدارة والتخبط إنما فى أساس أعوج للبناء الجديد ومسار فاشل يجب أن تدرسه كل تجارب التحول الديمقراطى لتفعل عكسه وتتعلم منه عدم الفشل.
صحيح أن فى مصر فوضى وعدم مهنية إعلامية وسباً وقذفاً وتخويناً وتكفيراً تحت مسمى «حرية الرأى والتعبير»، وهناك فوضى وأصوات احتجاجية تستبيح كل شىء فى الحكومة والمعارضة، وهناك عنف مرفوض تتعرض له المنشآت العامة والخاصة، كل ذلك موجود ومرفوض ويمكن التعامل معه لو كان الأساس الذى بنينيا عليه طابقنا الأول صحياً وطبيعياً.
الناس التى نزلت فى مدن القناة والقاهرة والإسكندرية ليست فى غالبيتها الساحقة جماعات فوضوية، والناس التى شعرت بأن إرادتها تسلبها جماعة غير قانونية، ودولتها تنهار أمام أعينها وترى نظرات الشماتة وتصفية الحسابات فى أعين بعض قادتها، تصبح المشكلة لديها أعمق من الذهاب إلى الحوار من عدمه.
الرئيس والجماعة تناقشا فى ديكور الطابق الأول «موف ولا رصاصى»، ولا يريدان أن يستوعبا أن المشكلة فى الأساس الذى يعانى من 3 عيوب رئيسية ستهدم ناطحة السحاب التى حلمنا ببنائها إذا لم يكن اليوم فالغد، الأول الدستور غير التوافقى الذى شعر قطاع كبير من المصريين بأنه يقصيهم.
والثانى يتعلق بمشكلة الجماعة التى تحكم وتدير وترفض أن تكون جزءاً من قانون الدولة فهى جماعة مختارة لا يجب أن ينطبق عليها قانون باقى الجمعيات والمؤسسات الأهلية، والثالث هو عدم التمييز بين الدولة والحكومة، فالثانية يمكن أن يكون كل أعضائها من الإخوان، أما الأولى فلا يجب أن تكون فى خدمة الإخوان بدءا من النائب العام الذى عيّنه مرسى بنفس طريقة مبارك وانتهاء بكل مؤسسات الدولة الأخرى من الشرطة والجيش والقضاء التى يجب ألا تخضع لأى محاصصة سياسية من أى نوع بعد أن وصل للكثيرين رسائل الجماعة بأنها لا تريد أن تصلح الدولة إنما تريد السيطرة عليها وكسرها.
المعضلة ليست فى قبول الحوار ولا رفضه إنما فى أساس أعوج يصر الرئيس وجماعته على الاحتفاظ به وفرضه على الجميع.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"