عمرو الشوبكي
الذين يتعاملون فى الأسواق، ويحتكون بأصحاب الأعمال، هذه الأيام، يشفقون تماماً على صاحب أى عمل، لأن البلد حاله واقف كما لم يقف من قبل، بكل ما لذلك من تداعيات فادحة فى حياة الناس أنفسهم، فضلاً عن التأثير المدمر لهذا الوضع، على صاحب العمل ذاته!
وسوف نكون واهمين كثيراً لو تخيلنا أن هذه الأجواء القاتمة تعود فى أساسها إلى الاحتجاجات، والمظاهرات، والمليونيات وفقط.. لا.. فهذا كله له تأثيره الذى لا يستطيع أحد أن يجادل حوله أو يشكك فيه، ليبقى السبب الأهم راجعاً إلى أن مسؤولينا فى جهاز الدولة، خصوصاً الوزراء، يعيشون كل لحظة فى حالة فزع، ويرفض كل واحد منهم، بالتالى، أن يقطع برأى فى أى مسألة قد تكون معروضة عليه!
وإذا كان هناك مجرمون قد استغلوا الثورة، واتخذوها ساتراً، للقيام بكل ما هو مخالف للقانون، فإن هناك وزراء حاليين، فى المقابل، يستغلون الثورة نفسها، وإن كان استغلالهم بالطبع لهدف مختلف، لأنه يبدأ وينتهى بالرغبة فى البقاء فى المنصب، دون أدنى محاولة خلال هذا البقاء، من جانبهم، فى اتجاه تسيير حياة المواطنين، أو قضاء مصالحهم، أو إنهاء أعمالهم!
وزراؤنا، وعندهم العذر طبعاً، خائفون، ومرعوبون، ومرتعدون، ويخشى كل واحد فيهم من مجرد وضع توقيع له على أى ورقة رسمية، حتى لو كان محتوى الورقة سليماً، وصحيحاً، وموافقاً للقانون بنسبة مائة فى المائة!
ولذلك، سوف يكون مذهلاً لكثيرين بيننا أن يعرفوا أن هناك وزراء فى مواقعهم يديرون شؤون وزاراتهم فى اللحظة الحالية، شفهياً!!.. نعم يديرون الوزارة شفوياً بأفواههم، وليس بأياديهم كما هو مفترض، وهى نادرة سوف يأتى التاريخ، فيما بعد، ليسجلها، باعتبار أنها لم يشهدها أى بلد على امتداد العالم، فى زمن الثورات، ولا فى غيرها!
ولك أن تتصور حجم التعقيدات التى سوف تصيب أى عمل يديره الوزير، بلسانه، وفمه، وليس بيده، وقلمه، ولك أيضاً أن تتصور حجم الإرباك، والارتباك الحاصل الآن فى الوزارات وفى الهيئات، وفى المؤسسات من جراء وضع غير مسبوق من هذا النوع!
وإذا كنت قد قلت إن وزراءها معذورون فى ذلك، فقد كنت أقولها، وأمام عينى ثلاثة وزراء للزراعة - مثلاً - موجودون الآن فى الحبس، وهى مسألة تجعلك تتساءل بصدق عما إذا كان رابعهم الموجود فى الوزارة فى الوقت الحالى سوف تكون لديه الشجاعة لإمضاء كل الأوراق التى من المفترض أنها سوف تكون معروضة عليه أم لا؟!.. قطعاً سوف يتردد مائة مرة، وسوف يظل يقلّب فى أى ورقة مطلوب منه أن يوقّع عليها، ثم يضعها إلى جواره فى النهاية، دون توقيع، ودون حسم، ودون حل، وفى أفضل الأحوال سوف يطلب من مرؤوسيه، شفاهة أن يقوموا بتسيير عملهم، وكأننا، وكأنهم، فى عصر ما قبل اختراع الورقة والقلم!
فما هو الحل؟!.. الحل هو أن يطلب وزراؤنا من الدكتور مرسى تحصيناً مؤقتاً، يستطيعون به، وفى ظله، أن يقضوا حوائج المصريين، وإلا فإن الحال إذا بقى على ما هو عليه، فإنه من الجائز جداً أن يأتى علينا وقت قريب، وليس بعيداً، نكتشف فيه، بل نفاجأ، بأن جهاز الدولة قد توقف تماماً عن العمل، وأن مصالح المواطنين قد أصيبت بالشلل الكامل، لأن أحداً من بين المسؤولين الكبار لا يملك جرأة التوقيع على ورقة واحدة!
على أى وزير، يواجه وضعاً من نوع ما أشرت إليه فى وزارته، أن يبادر فوراً بطلب هذا التحصين المؤقت أو أن يستقيل، إذا لا يوجد حل ثالث أمامه، وساعتها سوف يدرك الذين يحكمون، فى السلطة الأعلى، حجم المشكلة، بل الكارثة الماثلة!
يا دكتور مرسى.. وزراؤنا ينفخون فى الزبادى!!.. فماذا يفعل الناس وأصحاب الأعمال؟!
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"