عمرو الشوبكي
فشل الإخوان فى إدارة شؤون البلاد مؤكد، وعدم قدرتهم على تصحيح المسار ومراجعة الأخطاء واضح. والتبلد فى التعامل مع الوضع الحالى يعكس جموداً فى التفكير وعجزاً عن الفعل سيؤديان بنا إلى كارثة حقيقية لن تخرج منها مصر بسهولة.
ولعل البداية تمثلت فى دخول كل القوى السياسية فى مسار سياسى مشوّه فرض عليها إدارة صراع سياسى غير صحى وشتائم واتهامات لا تخدم الوطن ولا المواطن، حتى بدا أن كل ما بنيناه طوال عامين على رمال متحركة سينهار اليوم أو غداً.
إن الأساس الذى بنى عليه المسار السياسى كان مشوهاً ومعوجاً، وكل طابق سيبنى فوق هذا الأساس سيمتلئ بالتشققات التى لا يصلح معها ترميم ولا تجميل، وسينهار على رؤوسنا فى يوم من الأيام، وستكون الخسارة أفدح إذا تركنا أنفسنا نبنى طابقين أو ثلاثة أو عشرة، لأن المبنى سينهار فى يوم من الأيام، وأفضل لنا أن نعيد بناءه، ونحن الآن فى الطابق الأول بدلاً من المكابرة والاستمرار، وتصور أن المشكلة فى ديكور الطابق الأول «موف ولا رصاصى»، وليست فى الأساس الذى يعانى من عيوب ثلاثة رئيسية ستهدم ناطحة السحاب التى حلمنا ببنائها إذا لم يكن اليوم فغداً: الأول الدستور غير التوافقى الذى شعر قطاع كبير من المصريين بأنه يقصيهم، والثانى يتعلق بمشكلة الجماعة التى تحكم وتدير وترفض أن تكون جزءاً من قانون الدولة وتعتبر نفسها جماعة مختارة لا يجب أن ينطبق عليها قانون باقى الجمعيات والمؤسسات الأهلية، والثالث هو عدم التمييز بين الدولة والحكومة، فالثانية يمكن أن يكون كل أعضائها من الإخوان، أما الأولى فلا يجب أن تكون فى خدمة الإخوان بدءاً من النائب العام الذى عيّنه مرسى بنفس طريقة مبارك، وانتهاء بوزير الداخلية الحالى الذى عيّنه أيضا ليلتزم بالسمع والطاعة ويخلف وزيراً مهنياً اتفق عليه الجميع إلا الإخوان وحليفهم الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل.
كارثة أن يتمسك مرسى وجماعته بالحكومة الفاشلة، فى حين نرى فى تونس كيف تحركت حكومة الإخوان بعد فشلها فى حماية شكرى بلعيد، وقررت أن تتنازل عن الحقائب السيادية الثلاث، فى حين أن حكومتنا العاجزة فشلت فى حماية المواطنين والأمن والمنشآت العامة، وخرجت بورسعيد تقريباً عن سلطة الدولة، والرئيس وجماعته يتحدثون عن الانتخابات والصندوق فى بلد ينهار أمنه كل يوم وتتآكل مؤسساته.
والحقيقة أن حكم الإسلاميين فى بعض بلاد الربيع العربى مثّل فرصة تاريخية لم تتح لتجارب إسلامية أو قومية سابقة، وهى أن وصولهم للسلطة جاء عبر صندوق الانتخاب، وليس عبر انقلاب عسكرى أو ثورة أسقطت النظام والدولة معاً على طريقة بعض الثورات الشيوعية الشمولية، فتعطى حصانة للاستبداد باسم الثورة، إنما عبر ثورة حديثة طالبت بالعدالة والديمقراطية. ومع ذلك لم يفهم الإخوان أنهم جاءوا بالصندوق ولبناء دولة قانون ومؤسسات لا هدمها، وبدلاً من أن يفهموا أنهم أمام مرحلة انتقالية تستلزم أداء سياسياً مختلفاً وتوافقاً حقيقياً مع معظم القوى السياسية، تعاملوا مع الحكم والمرحلة الانتقالية بمنطق الغنيمة ومع خصومهم السياسيين كأنهم أغيار ناقصو دين وإيمان.
والحقيقة أن مصر كان يمكن أن تكون تجربة تحول سياسى ناجح نحو الديمقراطية مثل كثير من دول العالم لولا أخطاء المرحلة الانتقالية الفادحة التى يتحملها المجلس العسكرى وخصومه من الائتلافات المدنية، واللذان ساهما يداً واحدة فى إيصال البلد إلى بداية مرحلة الخطر، وعاد الإخوان المسلمون ورئيسهم المنتخب ليكمل هذه المهمة بسلسلة جديدة من الأخطاء الكبرى ستوصلنا إلى نقطة اللاعودة.
والحقيقة أن كثيراً من البلاد التى حولنا دفعت ثمناً باهظاً لإسقاط نظام الحكم، فليبيا التى سقط فيها 50 ألف شهيد ثمناً لانتصار ثورتها على نظام القذافى، وتدخلت قوات الناتو من أجل ضرب المواقع العسكرية للقذافى، مازالت أمامها تحديات كبيرة نتيجة سقوط الدولة وتفكك الجيش ومازالت أقاليمها ومدنها المختلفة تتناحر فيما بينها، ومازالت فصائلها الثورية المسلحة تتقاتل مع بعضها البعض فى ظل تعثر فى بناء مؤسسات الدولة والجيش الوطنى.
أما سوريا فنحن أمام بلد يدمر كل يوم ويذبح شعبه بالقنابل والسكاكين على يد القاتل بشار الأسد وعصابته حتى سقط ما يقرب من 100 ألف شهيد و60 ألف مفقود وما يقرب من ربع مليون مصاب ومليون نازح.
والحقيقة أن البعض منا استهان كثيرا بالثمن الذى يمكن أن تدفعه مصر فى حال سقوط دولتها أو تفكك أجزاء منها أو دخولها فى مرحلة الدولة الفاشلة، فالمراهقة التى يجرى بها التعامل مع مؤسسات الدولة- الجيش، القضاء، الشرطة- والحديث عن الحل البسيط والسطحى، ونسف المؤسسات القديمة أو الانتقام منها أو التمكين والسيطرة عليها دون أى رؤية لإصلاحها ستدخل مصر إلى نفق مظلم.
والحقيقة أن هناك خفة فى التعامل مع التحديات المطروحة واستهانة البعض بالثمن الذى يمكن أن تدفعه مصر من جراء تفكك الدولة ومؤسساتها، بعد أن نجونا بفضل ما تبقى من هذه المؤسسات من دفع الثمن الذى دفعته شعوب حولنا أثناء الثورة.
إن البعض أعطى لنفسه الحق أن يمارس تدميراً ذاتياً لكل شىء وتصور أنه بمفرده يمثل «الفئة الناجية» فطالب بسقوط الجميع: من «يسقط العسكر» و«تسقط الداخلية» إلى «يسقط القضاء»، ودعا إلى مقاطعة كل شىء.. الانتخابات والعملية السياسية دون أن يقدم بديلاً لأى شىء إلا فقط الاحتجاج والمعارضة.
على السياسيين ألا يتصوروا أن قماشة المجتمع الذى عاش فى ظل نظام وتعليم مبارك ستنتج ملائكة فى أحزابهم السياسية وشياطين فى مؤسسات الدولة، فكما أن لدينا أزمة فى أحزابنا السياسية لدينا أزمة فى مؤسساتنا وضعف فى أداء معظمها، ولا يجب أن نتصور أن هناك سياسيين أو ثواراً أو رجال دين دائماً على صواب ولهم حق الاتهام، وآخرين من نفس أبناء هذا الشعب دائما على خطأ ومتهمين.
نقطة اللاعودة ستكون حين تنهار الدولة وتفشل فى أداء الحد الأدنى من وظائفها، وإن انهيار الداخلية الذى حذرنا منه قادم، والمسؤول الأول عنه نظام الرئيس مرسى والعلاقة الثأرية التى تغذيها قلة من النشطاء بين الشرطة والشعب، وسنعرف جميعاً أن هناك ثمناً باهظاً دفعته الشعوب المجاورة للتخلص من حكامها لم يدفعه الشعب المصرى حين تخلص من مبارك، ولكنه سيدفع نتيجة فشل نخبته ومجتمعه وحكامه فى مواجهة مشكلات المرحلة الانتقالية، بل السير عكس الطريق الذى سارت فيه تجارب النجاح حتى شارفنا على نقطة اللاعودة.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"