توقيت القاهرة المحلي 06:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مبارك وطنطاوي: هذا ما جرى في مصر

  مصر اليوم -

مبارك وطنطاوي هذا ما جرى في مصر

مصر اليوم

  حسنى مبارك, الذى يتحسر على حكمه البعض الآن بعد أن شاهدوا حكم الإخوان، هو المسؤول الأول عما نحن فيه، فبسبب 30 عاماً من حكمه وحالة التجريف السياسى والمهنى والفوضى والفساد الذى ترعرع فى عهده- فُتح الباب أمام المشهد الحالى بكل ما فيه من فشل سياسى وانهيار أخلاقى. والحقيقة أن كارثة مبارك، الذى تبارى الجميع فى إثبات ثوريته بعد سقوطه، بنت نظاماً هو أقرب إلى «اللانظام»، صحيح أن القمع والدولة الأمنية كانا أحد مظاهرها ولكنهما لم يكونا المظهر الرئيسى أمام حالة الفوضى والعشوائية والفساد التى شاهدناها فى عهده. صحيح أن الوجه القاسى للدولة العميقة ظهر فى مواجهة جماعات العنف الدينى التى حملت السلاح فى وجه الدولة والمجتمع، فكان رد الفعل عنيفاً، وشنت حملة اعتقالات ومواجهات دامية بحق متهمين حقيقيين وأبرياء على السواء. فى عهد مبارك اعتُقل الإخوان ووُصفت جماعتهم بـ«المحظورة»، ولكن فى عهده أيضاً نجح 88 نائباً إخوانياً، وحرص على ألا يدخل فى مواجهة صفرية معها، ولم تعرف مصر كما فى سوريا حكم الإعدام على أى منتم لجماعة الإخوان المسلمين، ولم يهتف طلاب المدارس ضد «عصابات الإخوان المجرمة»، ولم يُعدم ويُسجن قادة الإخوان، كما فى تونس وليبيا، وتُحسب هذه الأمور لتقاليد الدولة المصرية التى تنكر الإخوان لها وأرادوا الانتقام منها والسيطرة عليها. مصر لم تعرف الفاشية العسكرية، كما تتوهم بعض المدارس الشيوعية الهامشية فى مصر، أو كما يردد بعض الإسلاميين كراهية فى الدولة الوطنية أو ما تبقى منها (ملاذ مصر الأخير ونقطة تمايزها)، فوهم الحكم العسكرى الذى تحدث عنه البعض عند عبدالناصر والسادات ومبارك لم يكن له علاقة بالواقع، فكل من عبدالناصر والسادات تربية تنظيم سياسى سرى اخترق الجيش بشكل غير قانونى، وفى مواجهة قياداته وقاموا بهذه الصفة بعمل انقلاب ثورى لا انقلاب عسكرى، قام به الجيش كمؤسسة عن طريق قياداته، كما جرى فى تركيا وأمريكا اللاتينية. فـ«عبدالناصر» كان بطل تحرر وطنى وقومى بالمعنى العالمى والإنسانى للكلمة، وليس قائداً عسكرياً، والسادات كان سياسياً ماهراً حاملاً لقيم اليمين المحافظ وليس العسكرية الديكتاتورية، ومبارك الموظف وبطل «اللانظام» الذى لم يكن فى فوضويته وعشوائيته أدنى علاقة بتقاليد المؤسسة العسكرية فى الانضباط والمهنية. إن «اللانظام» فى عهد مبارك كان أقل استبداداً من النظام التونسى أو الليبى أو السورى أو العراقى فى عهد صدام، وتجلت «خيبته» فى إضعاف الدولة وتخريبها فى التعليم والصحة والإعلام والأمن والمواصلات والزراعة والصناعة، وليس قتل المعارضين فى الشوارع كما جرى فى كثير من الدول المجاورة. إن عهد مبارك هو العهد الذى سقط فيه ألف شهيد فى عبَّارة «السلام» ضحية الإهمال والفوضى وتبلد النظام، فمبارك هو الذى خشى أن يوقظه من تلقوا استغاثة السفينة المنكوبة وتركوا آلاف البشر فى عرض البحر قبل أن تتحرك فرق الإنقاذ بعد 10 ساعات من الحادث، ونفس هذا النظام الذى أهمل فى صحة المصريين وتعليمهم وتركهم يموتون على الطرق (10 آلاف قتيل كل عام) وتحت أسقف المنازل الآيلة للسقوط، وفى حوادث القطارات، حتى أصبح ضحايا هذا الفشل السياسى والاجتماعى والأخلاقى أكثر بكثير من ضحايا النضال السياسى، وهو بالتأكيد لم يكن نفس الحال فى سوريا وليبيا، فبسبب قمع نظام الحكم المباشر فيهما، وليس فوضويته، أصبح لدى كل عائله شهيد، ونفس الأمر جرى فى كثير من دول أمريكا الجنوبية التى حكمتها ديكتاتوريات عسكرية قتلت واعتقلت عشرات الآلاف. فى مصر المناضلون السياسيون كان لهم حضور فى الإعلام، وتكلم عنهم الناس فى الداخل والخارج، وبعضهم وضع على رأسه ريشة، وتصور أنه أفضل من الناس لأنه اعتُقل، والبعض الآخر تحسر على أنه لم يُعتقل، والمؤكد أن هذه التضحيات مثمَّنة وتُحسب فى تاريخ أى شعب يناضل من أجل الحرية والديمقراطية، إنما معضلتها حين يُعتبر هؤلاء جميعاً محصنين وفوق الناس لأنهم مناضلون وثوار، فمن قال إن حزب البعث فى سوريا والعراق لم يناضل قبل وصوله للسلطة، وبعد الوصول إليها تحوَّل بسبب هذه الحصانة إلى واحد من أسوأ النظم الاستبدادية فى تاريخ البشرية. فى النظم الاستبدادية القوية والشرسة رأينا الثمن الذى تدفعه الشعوب من أجل أن تتخلص منها، ويكفى مشهد واحد من مشاهد القتل اليومى فى سوريا لنكتشف كيف نجت مصر من مصير كارثى لم تكن لتنجو منه لو لم يتخل الجيش عن مبارك، فسقط بسهوله بعد 18 يوماً من عمر الثورة. وانتقلت السلطة من مبارك إلى طنطاوى لنشاهد القسم الثانى من «وصية مبارك»، وكيف أن طبيعة هذا النظام بأمراضه وخيبته انتقلت إلى إدارة المجلس العسكرى المسؤول الثانى بعد مبارك عما وصلت إليه البلاد الآن. معضلة المشير طنطاوى المشهود له بالوطنية والنزاهة أنه تربى فى عصر مبارك وبقى 20 عاماً مرؤوساً له، فلم يعِ وزن الأمور المعنوية والأطر القانونية اللازمة لنجاح أى نظام سياسى، فمبارك الذى قال لأحد سفرائه أثناء الغزو الأمريكى للعراق ورداً على شعوره بالمهانة «خليك كُل عيش»، ومبارك الذى لم يقدم لشعبه على مدار 30 عاماً رسالة واحدة تحض على العمل والجدية، إنما كان يرد على أى مطلب للإصلاح «شوفوه عايز إيه»، ومبارك الذى عاش على المؤامرات الصغيرة فى الوقيعة بين رجاله وفى القيام بالدسائس الصغيرة حتى يبقى جاثماً على صدور الناس 30 عاماً- نقل بعض أو كل هذه الأمراض لمن عملوا معه. والحقيقة أن «طنطاوى» أهدر فرصة تاريخية أمام مصر لو كان خرج من وصية مبارك ولو قليلاً، وتعامل بشجاعة مع التحديات التى عاشتها البلاد، منذ يوم 11 فبراير، فهو الذى أفشل مشروع عمر سليمان نائباً بصلاحيات الرئيس لأسباب شخصية (تمام كما كان يفعل مبارك)، وكرر نفس الأمر مع أحمد شفيق، وفى نفس الوقت هو الذى قضى على فكرة عمرو موسى (لأنه يدخن السيجار) أو غيره كرئيس انتقالى يحكم ولا يدير المرحلة الانتقالية، وهو الذى أسقط دستور 71، دستور الدولة المدنية المصرية خضوعاً لصراخ البعض، وناسياً أن الشعب أيَّد بنسبة 77% تعديل هذا الدستور وأصدر بدلاً منه إعلاناً دستورياً باهتاً وفاشلاً قضى على ركن أساسى من أركان الدولة المصرية، وهو أيضاً الذى قبل بضَعْف بالغ كل هذه الشتائم والإهانات التى تعرض لها الجيش المصرى بسبب أخطاء المجلس العسكرى. إن تلك الإدارة الانتقالية التى فعلت الأصعب، وهو تسليم السلطة لرئيس مدنى منتخب، تخلت عن واجبها فى وضع الأطر القانونية والدستورية لهذه السلطة، فلم يحرص «طنطاوى» على الاحتفاظ بالسلطة ولم يتآمر من أجل ذلك كما توهم البعض، ولكنه أيضاً لم يحرص على أن يضع أى قاعدة قانونية ودستورية تحكم العملية السياسية قبل أن يسلم السلطة للإخوان، فدستور 71 معدل، أو دستور جديد، وقانون عادل للانتخابات، وتقنين وضع الجماعة- كلها كانت شروطاً لابد منها لنجاح العملية السياسية. لم يشعر «طنطاوى» مثل مبارك بأن هناك قيماً ومبادئ للدولة الوطنية الحديثة، وأن هناك قواعد لمدنية الدولة يجب احترامها قبل الدخول فى حلبة الصراع السياسى، فسلم البلد لتيار قادم من خارج الدولة دون أن يطالبه باحترام أى من قواعدها، وهو أمر كان سيصبح فى صالح الإخوان وليس فقط عملية التحول الديمقراطى، لأن معارضيهم لم يكونوا سيرونهم حزباً يحتكر السلطة ويضع قواعد اللعبة السياسية، وهو ما استفز قطاعاً واسعاً من الشعب المصرى ضدهم، وليس فقط الإعلاميين والألف ناشط كما يتصورون. إن ما جرى فى مصر هو عامان من الفرص الضائعة، ونحمد الله أن رموز دولة مبارك قد غابوا عن المشهد، وقد اتفقوا جميعاً حتى حين اختلفوا أن يكون أداؤهم مخلصاً لمن جرَّف مصر 30 عاماً، وأنهم فى اللحظات التى تخلوا فيها عنه ساروا على دربه وجعلوا انتقال مصر للديمقراطية يمر عبر أسوأ الطرق، ليُخرجوا من كل القوى السياسية أسوأ ما فيها ليس بالضرورة لأنها سيئة إنما لأنها سارت فى أسوأ مسار لأسوأ تجربة تحول ديمقراطى.   نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مبارك وطنطاوي هذا ما جرى في مصر مبارك وطنطاوي هذا ما جرى في مصر



GMT 14:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

لا فرصة للعرموطي برئاسة مجلس النواب

GMT 14:02 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف نتحقق من الادعاءات؟

GMT 14:00 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بلفور وما بعده.. سيناء ومستقبلها!

GMT 13:58 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عنوان الدورى الاستثنائى!

GMT 13:54 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نزيف البالطو الأبيض

GMT 10:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي

GMT 10:31 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الخيط الأميركي

GMT 10:30 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 05:30 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات
  مصر اليوم - لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon