توقيت القاهرة المحلي 02:19:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نهاية ثنائية الممانعة والاعتدال

  مصر اليوم -

نهاية ثنائية الممانعة والاعتدال

مصر اليوم

  بسقوط نظام القذافى، وأفول نظام بشار الأسد، وقبلهما سقوط مبارك وبن على، أصبح العالم العربى فى حاجة لتعريف جديد لمعانى الممانعة والاعتدال، التى عرفها زوراً طوال أكثر من ثلاثين عاما، وصُنِّفت «مصر مبارك» على أنها دولة اعتدال، و«سوريا بشار الأسد» على أنها دولة مقاومة، وكلاهما كان بعيداً تماماً عن معانى الكلمتين. صحيح أن جرائم مبارك وبن على لا يمكن مقارنتها بجرائم النظم التى رفعت شعارات الممانعة، ومارست قتلًا وتهجيراً فى شعوبها، دون أن تطلق طلقة واحدة على إسرائيل، إلا أنه من المؤكد أن مفهوم الاعتدال والممانعة يحتاج إلى مراجعة، لأنه لا نظم الاعتدال حملت الديمقراطية والتنمية لشعوبها، ولا نظم الممانعة قاومت حقا إسرائيل. ولعل بداية هذا التقسيم كانت عقب توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، عام 1979، فعرف العالم العربى انقساما بين محور الصمود والتصدى (عراق صدام حسين، وسوريا حافظ الأسد، وليبيا القذافى، واليمن الجنوبى الشيوعية/ القبلية، وجزائر هوارى بومدين) ومصر السادات، التى استقطبت سودان جعفر النميرى، وعُمَان السلطان قابوس. وبقيت دول الخليج العربى والمغرب وتونس والأردن رسميا خارج المحورين، فقد أعلنت معارضتها اتفاقية كامب ديفيد، وجمّد بعضها علاقاته السياسية مع مصر، دون أن يصل إلى مرحلة القطيعة والسباب، التى تبادلتها نظم الصمود والتصدى مع السادات. وراهن البعض فى مصر على محور الصمود والتصدى، واعتبر صدام حسين نموذجاً، والأسد رمزاً، والقذافى خليفة عبدالناصر، إلى أن أثبتت الأيام أن كل هذه المراهنات كانت واهية، وأن هذه النظم كانت أكثر سوءاً من نظامى السادات ومبارك، وأن سقوطها كان أكثر بشاعة وقسوة من سقوط الأخير. والمؤكد أن العالم العربى عاش على مدار ما يقرب من 35 عاما فى ثنائية وهمية، بدأت بالحديث عن محور الاعتدال والواقعية الساداتى، فى مواجهة محور الصمود والتصدى، الذى سُمى بعد ذلك محور الممانعة. والمؤكد أن مشكلة الأداء المصرى طوال تلك الفترة، خاصة أثناء حكم مبارك، ليست فى كونه لم ينتقل من معسكر السلام إلى معسكر الحرب (غير الموجود بين أى نظام عربى، منذ مبادرة السادات إلى القدس عام 1977)، ولا فى تبنيه خيارات عسكرية لم يفكر فيها مَن مازالت أرضهم محتلة فى الجولان، إنما فى تعثره فى الاستفادة السياسية والاقتصادية من السلام الذى وقّعه مع إسرائيل فى بناء نموذج تنموى حقيقى للنهضة والتقدم. ولم تفلح دعوات دول الاعتدال العربى إلى ضبط النفس فى منع إسرائيل من أن تتراجع ولو مرة واحدة عن قرارها «بعدم ضبط النفس»، ولا رفض العدوان وشجبه فى منع إسرائيل من تكراره عشرات المرات. وإذا كانت مشكلة دول الاعتدال السابقة كانت فى التبعية المطلقة لأمريكا وإسرائيل، وشن حملات تخويف من الفلسطينيين أسوأ فى بعض الأحيان من التى تشن ضد إسرائيل، فإن الجانب الآخر، الذى يُعرَف بأنه ممانع، لديه مشكلة أخلاقية وسياسية حقيقية، فالنظام السورى لم ولن يدخل فى مواجهة عسكرية من أى نوع مع إسرائيل، كما أنه دخل مفاوضات سرية مع الجانب الإسرائيلى، بوساطة تركية، قبل اندلاع الثورة السورية، وصار من غير المنطقى أن يتحدث البعض عن خيار ممانعة يدفع ثمنه الأبرياء من الشعب السورى، فى حين يجلس قادة النظام متفرجين على كل الجرائم الإسرائيلية فى فلسطين وسوريا نفسها. أما قطب الممانعة / التشدد الأكبر، أى إيران، فلديه مشروع سياسى متكامل فى قلبه المشروع النووى، وهنا تحاول إيران بمهارة فى كثير من الأحيان أن تمتلك أكبر قدر من الأوراق الإقليمية، لتحقيق نجاحات لصالح هذا المشروع، فامتلكت الورقة الأهم فى العراق، فى ظل غياب كامل للدور العربى، وامتلكت ورقة حزب الله فى لبنان، وأخيراً امتلكت ورقة دعم النظام الطائفى الدموى فى سوريا. إن معضلة خيار محور الممانعة، بقيادته الإيرانية، أنه يتحرك للدفاع عن مصالح الدولة الإيرانية، ورغبتها فى امتلاك تكنولوجيا نووية، وتوسيع دورها الإقليمى الذى لن يكون من أجل تحرير القدس. ولعل ثورات الربيع العربى قد كشفت أزمة كلا الطرفين، فلا المعتدلون أصبحوا معتدلين حقيقيين، وحققوا التنمية والديمقراطية لشعوبهم، وأثّروا إقليمياً ودولياً، كما كان يُنتظر منهم، ولا المتشددون حاربوا إسرائيل، على سبيل السهو والخطأ، منذ حرب 1973. من المؤكد أنه بعد 34 عاما على كامب ديفيد، وبعد عامين على انطلاق الثورات العربية، وبعد مرور ما يقرب من عام على وصول أول رئيس إخوانى لحكم مصر، اتضح مرة أخرى - لمن يعتبر أن المعارضة الأيديولوجية التى رفع لواءها بعض التيارات القومية والإسلامية، وطالبت بمواجهة إسرائيل بالحرب/ الجهاد - أنها غير قادرة على التصرف بشكل مختلف، بعد وصولها للحكم، فمازالت الجماعة ترفع لواء الممانعة، فى حين أن الحكم يمارس العملية والبراجماتية السياسية، ويستمع للنصائح الأمريكية. لقد فشل حكامنا المعتدلون والمتشددون بسبب شعارات مصر أولًا و«اتركونا نأكل (عيش)»، دون أى إطار قيمى يجعل حاكمنا المخلوع يشعر بالعار، حين استقبل وزيرة خارجية إسرائيل، تسيبى ليفنى، قبل يوم من العدوان الإسرائيلى على غزة، فى ديسمبر 2008، ولا القاتل بشار يشعر بالخجل من متاجرته بالممانعة والصمود، ليقتل شعبه بالقنابل والصواريخ. من المؤكد أن فى كل دول العالم يوجد متشددون ومعتدلون، وهناك صقور وحمائم، فإسرائيل نفسها تعرف هذه الثنائية (حتى لو كانوا جميعاً صقوراً علينا)، وإيران بها الإصلاحيون والمحافظون، ومصر بها متشددون ومعتدلون، ومن الطبيعى أن يكون على أرض فلسطين متشددون ومعتدلون، ولا بأس أن تكون حماس ممثلة للتشدد، والسلطة معبرة عن الاعتدال، لكن عليهما أن تلتزما بثوابت خطاب التحرر الفلسطينى، وأن تختلفا بالطرق السلمية لا برفع السلاح، لأننا لأول مرة فى تاريخ تجارب التحرر الوطنى نجد أن التباين بين قوى التشدد والاعتدال لا يخدم قضية التحرر، إنما يخدم قوة الاحتلال، وهى كارثة حقيقية حان الوقت لتجاوزها إذا أردنا أن نؤسس لنظم عربية جديدة وفاعلة تتجاوز ثنائية الفشل، التى عرفناها على مدار 35 عاماً بين معتدلين فاشلين وممانعين أكثر فشلًا. نعم، العالم العربى فى حاجة إلى بناء نظم سياسية تبنى نموذجاً ديمقراطياً وتنموياً حقيقياً، ومن داخل الإيمان بالديمقراطية يمكن أن يكون هناك إصلاحيون ومحافظون، ومعتدلون ومتشددون يديرون خلافاتهم على أسس ديمقراطية، ومن خلال الدفاع عن مصالح الشعب، ودون أن تكون لهم أى علاقة بتجارب الفشل السابقة واللاحقة، فى حال لم ننجح فى بناء نظم ديمقراطية.   amr.elshobaki@gmail.com   نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نهاية ثنائية الممانعة والاعتدال نهاية ثنائية الممانعة والاعتدال



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 19:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والثنائيات الحرجة

GMT 19:06 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عن الصراع المتصاعد والمعنى الفلسفي

GMT 14:05 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

سؤال المرحلة... أي مستقبل للمشروع الإيراني؟

GMT 14:02 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حكومة “لا فَتَّتْ ولا غَمَّست” فلِمَ التعديل!

GMT 13:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لحظات حرجة فى حياتى

GMT 13:58 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

كيف نحمى المقدرات المصرية؟

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:09 1970 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا
  مصر اليوم - اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 02:01 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إدانة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في قضية فساد
  مصر اليوم - إدانة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في قضية فساد

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 09:13 2023 الثلاثاء ,12 أيلول / سبتمبر

بلماضي يعلن أن الجزائر في مرحلة بناء منتخب قوي

GMT 20:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسي يبحث القضايا الإقليمية مع نظيره القبرصي

GMT 02:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع عادل إمام

GMT 01:03 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

تقارير تؤكد أن لقاح كورونا يسبب العدوى أيضًا

GMT 08:57 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسمنت في مصر اليوم الخميس 22تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 07:50 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الحديد في مصر اليوم الأربعاء 7 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon