مصر اليوم
ردود أفعال رئيس الجمهورية، ومعه قيادات الجماعة، على التظاهرات الحاشدة وغير المسبوقة التى شهدتها مصر أمس الأول كانت صادمة وكارثية، وحتى المتحدث باسم الرئاسة فقد كان حديثه كارثيا و«بهتت» عليه ثقافة الجماعة الحاكمة، لا تقاليد وزارة الخارجية العريقة.
تجاهل الرئيس غضب الملايين، فطالما هم من خارج العشيرة والجماعة فليسوا مهمين، وتجاهل هو وحاشيته استشهاد العميد محمد هانى رجل الشرطة العظيم الذى استشهد وهو يؤدى واجبه على يد عصابات الغدر المسلحة فى سيناء، واكتفى بإدانة جريمة اغتصاب الصحفية الهولندية.
والسؤال: ماذا بعد أن تجاهل إخوان الحكم احتجاجات المصريين، بل إطلاق رجالهم النار على من ارتكبوا اقتحام مقر الإخوان فى المقطم، فيساوون بين الحجر والنفس ويقتلون 12 مواطنا فى جريمة بشعة يندى لها الجبين؟.
كل ذلك يجرى والجماعة تكتفى بالمؤتمرات الصحفية والرئاسة منتظرة أوامر مكتب الإرشاد ولا تتحرك، ولا تقوم بأى رد فعل على ما جرى وكأنها أحداث تجرى فى بلد أو كوكب آخر.
إذا كانت هذه الصورة تعكس عزلة حقيقية تعيشها الجماعة عن الشعب المصرى، فإنها لا تمثل الصورة كلها، فهناك جوانب أخرى تراهن عليها الجماعة تدعم تجاهلها لما يجرى فى الشارع، وهو اعتقادها أن هذه الأحداث لن تستمر كثيرا، وأن متظاهرى التحرير والاتحادية وباقى المدن المصرية سيسأمون من التظاهر بعد أسبوع، ويعودون إلى بيوتهم استعدادا لشهر رمضان الكريم.
وقد دعم من هذه النظرة قناعه الإخوان بأن المعارضة منقسمة على نفسها، وهى مجرد صوت احتجاجى غير قادر على العمل المنظم أو تقديم بديل، وأن الصوت الاحتجاجى لن يستطيع أن يسقط بمفرده النظام السياسى، ولعل تجربة سقوط مبارك خير دليل على ذلك حين لعب الجيش دورا حاسما فى تنحيه عن السلطة.
ومن هنا يتصور الإخوان أن الصوت الاحتجاجى غير كاف لتغيير المعادلة السياسية فى مصر وهو أمر سيخفت مع الوقت، وحتى لو استمر فإنه لن يستطيع إسقاط النظام القائم.
إن حسابات الإخوان بأن المعارضة ضعيفة واحتجاجية، وأن هناك ثمنا يمكن تحمله ستدفعه الجماعة فى سبيل تحقيق هدفها فى السيطرة على الحكم، ولذا عليها ألا تلتفت لاحتجاجات الملايين فى الشوارع حتى تحقق هدفها، فالجماعة تعتقد أنها على الطريق الصحيح حتى لو خسرت الجانب الأكبر من شعبيتها وتعرضت لهجوم الملايين، فيكفيها دعم رابعة العدوية من الأهل والعشيرة.
المخاطرة التى أخذها الإخوان فى تجاهل احتجاجات الملايين فى الشوارع حيدت مجموعة من العوامل الأخرى التى قد تحسم مستقبل السلطة فى مصر، منها فشل الرئيس وجماعته فى مواجهة المشكلات الصعبة والعميقة التى تعانى منها مصر بعيدا عن قوة المعارضة أو ضعفها، فسوء الأوضاع الاقتصادية وغياب التوافق السياسى قلص من حجم الاستثمار بصورة كبيرة، وتراجعت السياحة حتى وصلت لدرجة الانهيار، وتراجع الجنيه المصرى بصورة دراماتيكية أمام العملات الأجنبية، كما أن حالة الانفلات الأمنى الذى تعيشه البلاد باتت غير مسبوقة، حتى صارت مصر على أعتاب نموذج الدولة الفاشلة ولا حكم.
إن الصوت الاحتجاجى الذى تحول إلى غضب هادر كان بالتأكيد سيتراجع (ولن يختفى) داخل المجتمع، فى حال أجرى الإخوان الحد الأدنى من التوافق السياسى، أو الإنجاز الاقتصادى أو الاجتماعى.
رهانات الجماعة خاسرة وستثبت الأيام إلى أى حد كانوا مخطئين.
amr.elshobaki@gmail.com