عمرو الشوبكي
يهتم البعض فى مصر بحضور المبنى وأسماء الهيئات أكثر من حضور الناس والأفراد، فقيمة أى منشأة ليست فى الحجر الذى تبنى به ولا فى تبجيل «البيه» مديرها، إنما فى قدرتها على تقديم خدمة عامة للمجتمع، تدافع عن حقوقه إذا كانت هيئة قضائية أو حقوقية، وتحافظ على أرواح الناس وممتلكاتهم إذا كانت هيئة شرطية، وتقدم لهم الخدمة إذا كانت مؤسسة تعليمية أو صحية أو ما شابهه. والحقيقة أن الاهتمام بالمؤسسات هو بغرض مساعدتها على تأدية وظيفتها لصالح الناس، وليس من أجل التغنى بالحجر على حساب البشر.
وفى مواد الدستور المعطل ذكرت أسماء كثير من الهيئات كالأجهزة الرقابية والهيئات القضائية والمجلس القومى للأمومة والطفولة ومفوضية مكافحة الفساد واتحادات العمال والفلاحين وغيرها، والمدهش أن بعض ممثلى هذه الهيئات خاضوا حربا ضروسا من أجل أن يروا اسم هيئتهم فى نص الدستور دون أن يعنيهم كثيرا أن ينص على حقوق من يدافعون عنهم.
فليس مهما الدفاع عن حقوق الطفل ووضع مواد تحميه من الاستغلال، إنما المهم الدفاع عن الهيئة التى تمثله ووضع اسمها فى نص الدستور، كذلك ليس مهما وضع نص دستورى يلزم الدولة والمشرع بمحاربة الفساد، إنما المهم وضع اسم الهيئة التى تعمل على محاربة الفساد، وليس مهما البحث فى سبل تحقيق العدالة الناجزة، إنما المهم تحويل الهيئة القضائية إلى سلطة قضائية (تشبها بالقضاء الجالس)، والحصول على أكبر قدر من المكاسب الفئوية حتى لو لم تكن من أجل العدالة والصالح العام.
القيم والمبادئ العليا هى التى يجب أن ينص عليها فى الدستور وليس أسماء الهيئات والجهات التى تدعى الدفاع عن هذه القيم، فهذا أمر من الصعب أن نجده فى دستور أى دولة فى العالم.
البعض يتصور أن كتابة الدستور هى فرصة للحصول على مكاسب فئوية، وهو أمر مشروع فى النضال الحزبى والنقابى، أما فى كتابه الدساتير فالأمر يختلف تماما، لأن المدخل هو المبادئ والقيم العامة التى تحفظ حقوق هذه الفئات باعتبارهم مواطنين وأبناء لهذا الشعب وليسوا فئات منفصلة عنه يبحث كل طرف فيها على مكسب صغير هنا أو هناك يتصور أنه سيحميه ولو على حساب الصالح العام.
صحيح أن الفئات الأضعف وليست الأقوى هى التى يتم تميزها فى بعض الدساتير بالنص إما على أنها الأولى بالرعاية من خلال نصوص تدعم حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والدينية، أو عن طريق النص فى الدستور على نظام للتمييز الإيجابى لهذه الفئات فى أى انتخابات تجرى.
وفى كلتا الحالتين الهدف ليس مكاسب فئوية بالمعنى الضيق لهذه الفئات، إنما السماح لها بالتمكين لصالح المجتمع وتوظيف طاقاتها لصالح تقدم الوطن ككل.
وفى مصر هناك من يرغب من الفئات المميزة أن يكون أكثر تميزا عن طريق وضع مزيد من المميزات فى الدستور، وهناك من يريد أن يعطى لنفسه حصانة خاصة تعزله عن باقى المجتمع، وهناك من يعتبر أن هدفه الأسمى أن يرى اسم هيئته مرفرفا عاليا فى الدستور حتى لو غابت حقوق من يمثلهم.
إن الدساتير الملهمة فى تاريخ الشعوب هى التى تحافظ على القيم والمبادئ العليا وليست هى التى تكتب نصا جامدا لا يؤثر فى الواقع وتكتبه الفئات الأقوى على حساب الفئات الأضعف.
علينا أن ننسى جميعا نظرية الفنان عادل إمام الشهيرة «اسمى مكتوب»، على الأقل أثناء كتابة الدستور.
نقلاً عن "المصري اليوم"