عمرو الشوبكي
نشر الفريق سامى عنان مذكراته عن ثورة 25 يناير، واختلف البعض على مضمونها، ورفض البعض الآخر توقيتها الذى يجعل من الصعب وصفها بالمذكرات إنما هى شهادة حية لما جرى فى ثورة 25 يناير، ودور المجلس العسكرى الذى كان هو أحد قادته فى التعامل معها.
والحقيقة أن قراءتى الأولى والسريعة لما جاء فى هذه الشهادة من سرد لوقائع وأحداث 25 يناير لم يكن سيئا ولا مغرضا إنما كان باهتا، وهو السمة الأبرز فى إدارة المجلس العسكرى لتلك المرحلة، فالرجل الذى قابلته ثلاث مرات أثناء اجتماعات المجلس العسكرى مع القوى السياسية والشخصيات العامة، كان ودوداً حاضر الذهن، وأعطانى انطباعاً من الوهلة الأولى أن لديه طموحا أكبر من موقعه كرئيس أركان الجيش المصرى.
فمعضلة هذه الشهادة ليس فى مضمونها الذى كان أقرب لسرد حكايات تبدو حقيقية وأحيانا بدهيات، فقد رد الفريق على اتهامات مرتبط بعضها بأمراض مجتمعية لا ترى أى حدث إلا وفق نظرية المؤامرة، ومنها زيارته لواشنطن فى أثناء توقيت الثورة.
والحقيقة أن هذه الزيارة كانت روتينية، مرتبا لتوقيتها منذ فترة، وقد ذكر الفريق فى شهادته أن أحد القادة العسكريين الأمريكيين أبدى إعجابه بفروسية الجيش المصرى وعظمته لمجرد أنه قال له إننا لن نطلق الرصاص على المتظاهرين حتى لو صدرت الأوامر بذلك، وهو أمر بدهى لا يحتاج إلى الحديث عن بطولات لا يحتاجها الجيش المصرى.
فبدهيات عنان فى مواقع كثيرة من مذكراته لا تصنع بطلا ولا تمثل حدثا استثنائيا، وإن نشره شهادته فى ذلك التوقيت ليعود من خلالها مرة أخرى إلى دائرة الضوء لا يعفيه من مسؤوليات كثيرة يتحملها حين كان فى دائرة الضوء.
والحقيقة أن مواقف القادة والسياسيين لا تقاس بأنهم كانوا خيرين و«مشوا جنب الحائط»، إنما فى اتخاذهم مواقف جريئة وتاريخية أثناء الأزمات الكبرى، وما جرى فى مصر أثناء وعقب ثورة 25 يناير يجعل حديث الفريق عن استئذان المشير طنطاوى فى القيام بانقلاب ناعم أمرا مدهشا، لأنه لو كانت هناك نية حقيقية للقيام به ولو كانت لديه القوة الحقيقية داخل الجيش للقيام بذلك لما استأذن أحدا ولقام به باعتباره رئيس الأركان.
والمؤكد أن قصة «الفاتحة» التى قرأها أيضا مع زملائه فى المجلس العسكرى على عدم نشر أى معلومات عما جرى فى 25 يناير ليست مؤكدة وغير مهمة، لأن ما نشره الرجل هو أقرب إلى شهادة حية تعيده مرة أخرى لدائرة الضوء، على أمل أن يكون رقما مهما فى أى انتخابات رئاسية قادمة، وأن كل ما كتبه هو مجرد حملة دعائية مبكرة لانتخابات الرئاسة، وهنا مربط الفرس وبيت القصيد الأجدر بالمناقشة.
والسؤال، وربما من خلال ما كتبه: هل فعل عنان شيئا استثنائيا أو حتى إيجابيا، طوال حكم المجلس العسكرى، يدفع الشعب المصرى لأن يعطيه ثقته فى أى انتخابات رئاسية قادمة؟
إن معضلة المجلس العسكرى الذى كان عنان أحد قادته تكمن فى أنه لم يبد أى وعى بأهمية الأمور المعنوية والأطر القانونية اللازمة لنجاح أى نظام سياسى، فـ«مبارك» الذى قال لأحد سفرائه أثناء الغزو الأمريكى للعراق ردا على شعوره بالمهانة: «خليك كل عيش» ولم يقدم لشعبه على مدار 30 عاما رسالة واحدة تحض على العمل والجدية إنما كان يرد على مطلب أى شخص للإصلاح: «شفوه عايز إيه»، ومبارك الذى عاش على المؤامرات الصغيرة فى التوقيع بين رجاله نقل بعض أو كل هذه الأمراض لمن عملوا معه.
والحقيقة أن المجلس العسكرى لو كان خرج من وصية مبارك، ولو قليلا، وتعامل بشجاعة مع التحديات التى عاشتها البلاد، منذ يوم 11 فبراير، لكانت مصر الآن فى وضع مختلف، فهو الذى أفشل مشروع عمر سليمان نائبا بصلاحيات الرئيس لأسباب شخصية، وقضى على فكرة عمرو موسى أو غيره كرئيس انتقالى يحكم ولا يدير المرحلة الانتقالية، وهو الذى أسقط دستور 71، دستور الدولة المدنية المصرية، خضوعا لاحتجاج البعض، وناسيا أن الشعب أيد بنسبة 77% تعديل هذا الدستور وأصدر بدلا منه إعلانا دستوريا باهتا وفاشلا، قضى على ركن أساسى من أركان الدولة المصرية (دستورها المدنى).
إن تلك الإدارة الانتقالية التى كان عنان أحد قادتها سلمت السلطة لرئيس مدنى منتخب، وتخلت عن واجبها فى وضع الأطر القانونية والدستورية لهذه السلطة، فلم يحرص طنطاوى ولا عنان على الاحتفاظ بالسلطة ولم يتآمرا من أجل ذلك، كما توهم البعض، وهو يحسب لهما)، لكنه أيضا لم يحرص على أن يضع أى قاعدة قانونية ودستورية تحكم العملية السياسية قبل أن يسلم السلطة للإخوان، فدستور 71 معدل أو دستور جديد، وقانون عادل للانتخابات، وتقنين وضع الجماعة السرية التى حكمت البلاد عاما كاملا.. كلها كانت شروطا لابد منها لنجاح العملية السياسية، لم يقم بأى منها الفريق عنان.
لم يشعر قادة المجلس العسكرى أن هناك قيما ومبادئ للدولة الوطنية الحديثة، وأن هناك قواعد لمدنية الدولة يجب احترامها قبل الدخول فى حلبة الصراع السياسى، فسلّم البلد لتيار قادم من خارج الدولة دون أن يطالبه باحترام أى من قواعدها، وهو أمر فى حال حدوثه كان سيصبح فى صالح نجاح عملية التحول الديمقراطى.
إن الفريق سامى عنان جزء من تجربة فاشلة، بصرف النظر عن وطنية أشخاصها، وإن تصحيح هذه التجربة جاء من الشعب والجيش معا، فهل يمكن أن يقبل المصريون مرة أخرى إعادة تجربة لم تقم بالحد الأدنى من الاستحقاقات المطلوبة منها؟ لا أعتقد ذلك، وهذا ما ستثبته الأيام.
نقلاً عن "المصري اليوم"